أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 15 أغسطس 2017

عندما يصبح الجدار شاهدا على حياة كاملة





على بعد نحو 100 متر إلى الغرب من باب الخليل، ما زال الجدار القديم صامدا، وعليه حروف نافرة بارزة وكبيرة، تظهر بالانجليزية اسم عائلة طنّوس، صاحبة المبنى الذي كان في حي الشمّاعة الآفل.
شيد الأخوان طنّوس بنايتهما الكبيرة في ثلاثينات القرن العشرين، خلال النهضة الاقتصادية التي شملت حي الشمّاعة ومناطق واسعة في القدس الجديدة، يقدم واصف جوهرية شهادة، عندما سكن في بيت النقفورية أعلى حي الشمّاعة، ولم تكن هناك أية مباني، ويذكر كيف بدأت الحياة تدب وتتزايد المباني ومن بينها بناية الأخوان طنّوس.
في عام 1948، أصبحت بناية طنّوس والقدس وفلسطين على مفترق طرق، يذكر المؤرخ عارف العارف، انه في شباط 1948م قتلت العصابات الصهيونية عربيا وهدمت عدة منازل في حي الشمّاعة من بينها بناية طنّوس، ما استوجب هجوما فلسطينيا على مستوطنة المونتفيوري.
والواقع أن العصابات الصهيونية لم تنسف البناية التجارية والسكنية التي كانت جزءا من الحي التجاري في ماميلا (مأمن الله)، وإنما سيطرت عليها واستخدمت في شهر أيار عام 1948 من قبل العصابات التي حاولت الدخول إلى بلدة للقدس القديمة لاحتلال حارة اليهود.
وبعد أن صمتت المدافع أصبحت البناية في المنطقة الحرام بين القدسين، رمزا لتقسيم مدينة القدس، وتم إسكان المستوطنين اليهود فيها، وكانت مكشوفة للجيش الأردني المسيطر على أسوار القدس.
بدأ الاحتلال بهدم المباني الفلسطينية الواقعة على خط التماس، واستغرقه ذلك سنوات طويلة وسط نقاش إسرائيلي داخلي له طابع فني ومتعلق بالتخطيط الحضري لما تسميه دولة الاحتلال (القدس الموحدة)، وفي عام 1990م هدمت سلطات الاحتلال بناية طنّوس، كجزء من مشروع كبير لإعادة بناء الحي التجاري في ماميلا وتنشيطه وفقا لرؤى احتلالية، ولكن المحتلين أبقوا على المدخل تخليدا لاستخدام البناية يومي 18و19 أيار 1948م من قبل قيادة نتال لورخ كمخرج لفرقة من قيادة عصيوني/القدس، التي حاولت احتلال حارة اليهود في بلدة القدس القديمة ولكنها أخفقت في مساعيها.
يقول عصام السلطي الذي عاش طفولته في القدس الجديدة: "لم تلجأ سلطات الاحتلال لترميم المباني التاريخية، بل تم بشكل ممنهج مسحها وإزالتها، وقد تم هدم معظم تلك الأبنية لطمس البصمة الإسلامية أو الأوروبية التي حملتها فلم يبقى منها اليوم سوى النزر اليسير".
على أنقاض بناية طنّوس أقيمت مباني وشقق فخمة باسم قرية داود، تتراوح سعر الواحدة من مليون إلى 13 مليون دولار، وبعض المشترين هم من الإسرائيليين الذين يعيشون في الخارج.
الوحدات السكنية الفاخرة على أنقاض البناية الفلسطينية، متداخلة وتتمتع جميعها بإطلالات على وادي الربابة الذي يسميه الإسرائيليون وادي هينوم، وكذلك على قلعة باب الخليل التي تسمى إسرائيليا قلعة داود.
ويفخر قاطنو هذه الشقق بمستواها البرجوازي الكبير، وبأن من في الخارج لا يمكن أن يتصور ما بداخلها، وتخضع البنايات إلى حراسة دائمة.
ومن الغريب أن لا يتصور قاطنو الشقق أو الناظرون إليها، أنها أقيمت على أنقاض بناية وأرض مغتصبة..! من الجيد أن الجدار ما زال شاهدا..!
وهناك بناية ضخمة في شارع الملك جورج لعائلة طنّوس، يسيطر عليها المحتلون باسم "حارس أملاك الغائبين"، وهي مشغولة بمكاتب ومحال تجارية.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق