أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 30 يوليو 2014

أسامة العيسة: الثقافة لا يمكن تغييرها بالاحتجاجات/عمّار المأمون



 

الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة يقرّ أنه لا يحاول التفريق بين أساليب التعبير، ويؤكد أن تداخل البحث بالإبداع في أعماله، هو أحد مشاغله.

العرب/ عمّار المأمون:

يطرح أسامة العيسة التساؤلات أكثر من أن يقدّم الأجوبة، في قلق ينتابه أثناء الكتابة سعيا منه إلى تحديد العلاقة مع الأشياء والشخوص، هو من مواليد بيت لحم سنة 1963، حائز على الجائزة العربية للإبداع الثقافي عام 2013. صدر له “المسكوبية” و“مجانين بيت لحم”. كان لـ”العرب” اللقاء التالي مع العيسة، في حديث مطوّل عن الكتابة وفلسطين ومدنها.

عن علاقته بالكتابة، وهو الذي يكتب من الداخل الفلسطيني، مقارنة بمن يكتبون من الخارج يقول أسامة العيسة إنه «قبل اتفاق أوسلو، وتأسيس السلطة الفلسطينية، كنا نتطلع نحن كُتّاب الأرض المحتلة -حسب التسمية الشائعة آنذاك، والتي قل استخدامها الآن رغم أن الأرض بقيت محتلة- إلى ما يكتبه الكُتّاب الفلسطينيون والعرب خارج الوطن، بكثير من الشغف والانتظار. فكثير منهم أصبحوا كُتّابا مكرسين، على الصعيد العربي. بينما كنا نحن في الأرض المحتلة نعاني بشكل كبير من حصار ثقافي خانق، لكن عندما يصلنا أيّ كتاب من الخارج، نتداوله فيما بيننا بشوق وحميمية».

الداخل والخارج

يؤكد العيسة أن بعض الكتاب في الداخل الفلسطيني كانوا يشعرون بضعف أدواتهم الفنية، مقارنة بما حققه الآخرون خارج الوطن، نظرا لانفتاحهم على الفضاءين العربي والعالمي، واحتكاكهم بالكتّاب العالميين والعرب، من خلال المؤتمرات وغيرها. إضافة إلى أن الكثير منهم عملوا في مؤسسات منظمة التحرير والفصائل الفلسطينية المختلفة.

ويشير الروائي إلى أنه بعد اتفاق أوسلو، حدث تحوّل غريب، فالذين كانوا ينتظرون أعمالهم بشوق، ويتداولونها وكأنها منشورات سرية، والذين رفعوا شعار “بالدم نكتب لفلسطين”، عادوا ليكونوا جزءا من واقع يناقض جذريا كل ما كتبوا له وعنه، وليشكلوا جزءا من بيروقراطية السلطة الفلسطينية. وقد توقف كثير منهم عن الإبداع، واحتسبوا على فساد المؤسسة الثقافية والسياسية، التي ظهرت بشكل بشع، لا يناسب أبدا ظروف شعب يعيش مرحلة تحرّر وطني.

يعتقد الكاتب أن الاختلافات على الصعيد الفلسطيني بين أدب الداخل والخارج قد انتهت، فالنظرة إلى الأدب الآن، في رأيه، تحكمها معايير مختلفة، تتعلق بما يُقدّم وكيف يُقدّم. أما هو فلا يكرر عملا مرتين، في كل عمل هناك الجديد حتى على مستوى الشكل، وهذا ما يجده مبررا لاستمراره في الكتابة.

لكنه يستطرد قائلا: «في الوقت ذاته، لديّ هاجس لمحاولة معرفة لماذا حدث ما حدث؟ كيف تمكنت العصابات الصهيونية، في فترة قياسية من بناء دولة متقدمة؟ فيها جامعات مرموقة، وأدب يترجم إلى لغات عديدة، وصحف تباع بمئات الآلاف، وكُتاب أصبحوا نجوما، ودور نشر تترجم إلى العبرية مختلف صنوف المعرفة. كيف يمكن مواجهة هذا كله؟ هل تفيد الأساليب القديمة، وثقافة القطيع، واستنهاض الهمم، والعنتريات؟».

الرواية والأمكنة

عن علاقته بالمدن الفلسطينية، وهو الذي كتب عن القدس وبيت لحم، وعن اختياره شكل الرواية جنس كتاباته، يعقب العيسة أنه ابن مجموعة من المدن في الهضبة الفلسطينية الوسطى، التي تسمى سياسيا الضفة الغربية، القدس وبيت لحم ورام الله وأريحا والخليل ونابلس.

ورغم قرب هذه المدن من بعضها نسبيا، إلا أن تنوعها يشكل أحد أسباب شغفه الذي لا يتوقف تجاهها. فهذه المدن شكلت، ولا تزال، وجوده الفيزيائي. لكنه يعتبر أن هذا الوجود مهدد، ويتغير باستمرار، ليس بفعل العمران والتطوّر البشري، ولكن بسبب التغيرات الدرامية، التي تعصف بالمكان، والتي لم تحدث في فلسطين منذ ألفي عام على الأقل. فالاستيطان الإسرائيلي ليس فقط عبارة عن كتل إسمنتية وشكل من أشكال الاستعمار، إنه يغيّر، وإلى الأبد المكان، بشكل قسري.

يؤكد قائلا «بينما أنا أُحدثك الآن، يحدث تغيير في الأمكنة التي ارتبطت بها، كل أسبوع بل كل يوم أكتشف تغييرا جديدا. مثلا الطريق التي أسلكها خلال جولاتي في البّر الفلسطيني، هذا الأسبوع، قد لا أتمكن من سلكها في الأسبوع المقبل، وهذه ليست مجرّد استعارة أدبية أو مبالغة لغوية، بل واقع يتغير باستمرار. لقد أصبح لكل فلسطيني قضيته ونكبته ومأساته، التي لا يحسّها الآخرون».

لذلك فهو لا يُريد ترجيح كفة شكل فني على آخر، ولكن بالنسبة إليه، الرواية هي الأقدر على استيعاب دراما المكان، التي تتسرّب أمام عينيه، ولا يستطيع فعل أيّ شيء، إنه ببساطة يحاول كتابة جزء بسيط من ملحمة المكان الذي يتغيّر إلى الأبد.

في روايته “المسكوبية” اختار الروائي الحديث عن السجن، هذا الفضاء المغلق، فالمسكوبية معتقل في القدس، وهو أحد أسوإ مراكز التحقيق الإسرائيلية، يطلق عليه الفلسطينيون صفة “المسلخ”.

وقد تعرّض العيسة للاعتقال فيه ثلاث مرات، وفي سن مبكرة. لا يوافق الكاتب على مصطلح “فضاء مغلق” كوصف للسجن، فالسجون بالنسبة إليه زاخرة بالحياة، وهي تكثيف للتراجيديا الإنسانية في الخارج، ومرايا مقربة نرى فيها أنفسنا في فترة قياسية، قد نحتاج إلى أكثر من ذلك بكثير في الحياة العادية حتى ندركها، حيث جميع الناس أبطال، وأخلاقيون، في السجن نتعرف على أنفسنا بشكل أقرب إلى الحقيقة.

يضيف قائلا «رواية “المسكوبية” هي أيضا رواية عن قدسي، التي تنسل من بين أصابعي، عن هامشها، وناسها المتنوعين، عن عوالمها التحتية. وسط البلد في القدس، الذي يبعد عن مكان سكناي 7 دقائق بالسيارة، من يصدق بأنه، ممنوع عليّ، مثل مئات الآلاف من الفلسطينيين، الوصول إليه».

هناك خيط فاصل بين السرد الأدبي وبين التوثيق، لكن العيسة في أعماله يقرّ أنه لا يحاول التفريق كثيرا بين أساليب التعبير، فبالنسبة إليه سواء في الأعمال الأدبية أو البحثية، حاول أن يخط أسلوبا خاصا، ويؤكد أن تداخل البحث بالإبداع في أعماله الأدبية، هو أحد مشاغله المستمرة، وهو ما ينتج عنه مغامرات أدبية لا تتوقف.

المقاومة الثقافية

يقول أسامة العيسة: «إن الثقافة لا يمكن تغييرها بالاحتجاجات أو الانقلابات، ربما يكون ذلك بأشياء أخرى، لا أعرف بالتأكيد ما هي، ولكن رغبتنا الدائمة في تنصيب رموز، وآباء في السياسة والأدب والمجتمع، تحتاج إلى أشياء أخرى، غير إعادة إنتاج الاستبداد».

وما إن كان يرى في التغيّرات التي تمرّ بها المنطقة العربية الآن أملا في طرح جديد يتعلق بالقضية الفلسطينية على الجانبين السياسي والأدبي يعتبر الروائي أن فلسطين تخضع لاحتلال كولنيالي، يشبه في جوانب منه تجارب أخرى لشعوب ودول تمكنت من الانتصار ودحر المستعمر، ولكن في جوانب أخرى منه، ومع استمرار هذا الاحتلال وتعقده، قد اكتسب مزايا ذاتية تخص الحالة الفلسطينية.

يوضح قائلا: «لكنْ ها نحن نشهد تحوّل الضحية إلى جلاد، ومناضلي الأمس يعتقلون مناضلي اليوم، وتحوّل الاحتلال الإسرائيلي لأرضنا إلى احتلال رخيص. أرغب في أن يشكل الأدب جبهة أخيرة وقوية في الصراع، ولكن ارتهان أغلب مثقفينا بالسلطة والفصائل والأحزاب وجهات التمويل، يجعل من ذلك عصيا، أراهن دائما على المبادرات الذاتية لكُتّاب، يعلون من شأن فعل الكتابة».



 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق