أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 28 يوليو 2014

شمشون ليس عملاقا في فسيفساء كنيس الجليل







 

يظهر شمشون الجبار، بعكس ما تصفه الأساطير الشعبية، كشخص عادي غير عملاق، في فسيفساء رائعة اكتشفت في كنيس في الجليل، خلال حفريات تجددت هذا الصيف للموسم الثالث.

في شهر تموز 2012، أعلنت مصادر أثرية، اكتشاف كنيس، بعود إلى أواخر العصر الروماني (ما بين القرنين الرابع والخامس الميلاديين)، خلال حفريات أثرية في موقع "حوكوك" بالجليل الغربي. على بعد نحو 5 كلم غربي كفر ناحوم والمجدل على شاطيء طبريا.

الحفريات تجري بإشراف، البروفسور جودي ماغنس، الأستاذ في جامعة كارولينا الشمالية، ودافيد عاميت وشوعا كيسيليفيتش، من سلطة الآثار الإسرائيلية، وذلك بدعم من جامعة كارولينا الشمالية وجامعة "بينغام يانغ" في ولاية يوتا الأميركية وجامعة "ترينيتي" في ولاية تكساس، وجامعة أوكلاهوما وجامعة تورونتو الكندية. ويشارك في الحفريات طلاب وأساتذة من جامعة كارولينا الشمالية. بدعم من اليونسكو.

اكتشاف كُنس يهودية تعود لتلك الفترة، أو الفترة الإسلامية المبكرة، ليس نادرا في فلسطين، ولكن المثير هو اكتشاف أجزاء من أرضية فسيفسائية، تصور شخصية شمشون الأسطورية يضع مشاعل صغيرة بين ذيول الثعالب، بشكل بالغ الجمال، يؤشر لتطور الفن الروماني في فلسطين في تلك الفترة.

والاحالة، إلى ما يرويه العهد القديم في سفر القضاة، حول وضع شمشون الإسرائيلي، مشاعل على أذناب 300 ثعلب، واطلاقها في حقول أعدائه (الفلستيُّون) في غزة.

وفي جزء آخر من الفسيفساء يظهر وجهان يبدو أنهما لامرأتين على جانبي رسم كبير، وكتابة بالعبرية القديمة موضوعها ثواب الصالحين.

البروفسور جودي ماغنس الأستاذ في كلية الفنون والعلوم التابعة لجامعة كارولينا الشمالية، علق على الاكتشاف: "أهمية هذا الاكتشاف لوجود عدد قليل فقط من الكنس العائدة إلى أواخر العصر الروماني مزينة بالفسيفساء التي تصور مشاهد من التوراة، حيث لا توجد سوى اثنتين أخريين تصور شمشون (إحداهما في موقع لا يبعد أكثر من بضعة كيلومترات عن حوكوك). وتتسم هذه الفسيفساء بجودتها الفنية العالية والحجم شديد الصغر لمكعباتها مما يزيدها أهمية. وإذا اضفنا حقيقة اخرى تكمن في ضخامة احجار جدران الكنيس، فان النتيجة المنطقية التي نصل اليها أن القرية كانت تتمتع بازدهار كبير وكلفة البناء كانت عالية".

في صيف عام 2013، تجددت الحفريات، وتم العثور على لوحة فسيفسائية تظهر شمشون يحمل بوابة غزة على كتفيه، في إشارة، لتحطيمه لبوابة غزة، عندما أنتظره أعداؤه ليقتلوه.

الفسيفساء غنية بالتفاصيل، حول حكاية شمشون الإسرائيلي ودليلة الغزية، التي تمكنت بالدهاء من معرفة سرّ قوة شمشون، المتمثلة بشعره، وقصه.

ومن هذه التفاصيل في الأرضية الفسيفسائية، التي كشف عنها في الحفريات التي استؤنفت صيف هذا العام (2014)، نجد ثلاث مستويات من الرسوم، في الوسط صور شخصية لرجال وجنود، يبدو احتفاء الفنان بهم واضحا، يرتدون البسة متنوعة، حسب مهنهم او مكانتهم.

في الشريط العلوي، نرى جنود يرتدون لباس المعركة، مع فيل مجهز بالدروع مع الدروع مرتبطة الجانبين. في الشريط الأسفل، ورغم التدمير في الفسيفساء، نرى الجزء السفلي من جسم شمشون، مع حزام أحمر حول خصره وعباءة حمراء وراء ظهره. مع مشاة رفقة خيول، ربما يمثلون (الفلستيُّون).

وجود هذه التفاصيل، خصوصا الفيل، حيّرت علماء الآثار حول مدى مواءمتها لقصة شمشون في الكتاب المقدس، وعلى الأرجح فانها تتعلق أكثر بالأساطير الشعبية التي تطورت حول أسطورة شمشون، خارج العهد القديم.

وفي العهد القديم، الذي يعتقد بانه يضم أساطير كنعانية وفينيقية ومن بلاد الرافدين، لا يتم وصف شمشون بالعملاق، ولكن هذا الوصف، يعكس مكانة شمشون في التقاليد اليهودية الشعبية التي تطورت في حقب مختلفة.

في مرحلة لاحقة، في الفترة الرومانية المبكرة في فلسطين، رفض كثير من الحاخامات الاحتفاء بشمشون، بسبب مآثره الجنسية مع النساء غير الاسرائيليات، أي الفلستيات.

تم ازالة الفسيفساء من مكانها، من أجل حفظها، واجراء المزيد من الدراسة حولها، وردم المناطق المحفورة. ومن المقرر أن تستمر الحفريات في صيف 2015.

أسطورة شمشون ودليلة، التي اتخذت من أرض فلسطين، وغزة مكانا لها، أثرت كثيرا في الفنون المعاصرة في العالم، من السينما، إلى الموسيقى، والفن التشكيلي، والروايات، والأشعار.

وفي هذه الأيام، تواصل غزة، صنع اسطورتها الخاصة في مواجهة عدوان مستمر، ممن يعتبرون أنفسهم أحفاد شمشون الذي لم يجد بديلا، كما تقول الاسطورة، الا بهدم المعبد على من فيه، فيما يعتبر أوّل عملية انتحارية في المدونات البشرية. وإذا كان شمشون، مات مع أعدائه في الاسطورة، فان غزة عاشت لتكتب، وما تزال، حكاياتها التي تفوق الأساطير.


 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق