أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 29 يوليو 2014

عين السلطان: دراما فلسطينية بنهاية مفرحة..!!






 

جلس الكاتب مجدي الشوملي، في منزله بمدينة بيت ساحور، يُقلب، باعتزاز ارشيفا قديما، كان الاساس في انجازه لسيناريو فيلم (عين السلطان)، الذي يعالج دراميا، قصة عائلته، التي نفاها الاحتلال في ايار 1980، من منزلها في مدينة بيت ساحور، الذي تم اغلاقه بالشمع الاحمر، الى مخيم عين السلطان المهجور في اريحا. وهناك تلتقي عائلة (الكعبي) التي نفيت هي الاخرى من مخيم بلاطة قرب نابلس، الى مخيم عقبة جبر في اريحا، قبل اسبوعين.

في ذلك الوقت كان مجدي، مقيما في الخارج، وتابع ما حدث مع عائلته عبر الصحف العربية والعالمية والاسرائيلية، وبعد ان عاد الى ارض الوطن، وجد يوميات كتبها والده الكاتب الراحل يعقوب الشوملي بالإنجليزية عن ايام المنفى في عين السلطان.

ولم يقدم الشوملي، معالجة درامية وافية فقط للشخصيات الفلسطينية في السيناريو، ولكن، قدم بذكاء وحرفية، معالجة لما كان يدور من صراع في الطرف الاخر المحتل.

قال الشوملي لمراسلنا وهو يقلب ارشيفه: "جميع الشخصيات الأساسية في السيناريو تتحرك وتتطور. على خلفية القصة الحقيقية".

واضاف: "في ربيع 1980 كانت الحكومة الاسرائيلية مشكلة من تحالف الليكود والعمل ، وكان أطراف الليكود من خلال رئاسة الأركان يحاولون فرض سياسة قمع شرسة على الضفة والقطاع، لكن ذلك كان على حساب حزب العمل الذي كان يسيطر على وزارة الدفاع. حدث نزاع بين رموز العمل والليكود وفي سياقه حدثت قصة الفيلم. الصراع الرئيسي يدور بين الصحافي /الكاتب يعقوب الشوملي من جهة والحاكم العسكري لبيت لحم من جهة أخرى. الكاتب معه أسرته والمحامية اليسارية فيليتسيا لانغر والصحافة عموما والمتضامنين المحليين والعالميين. الحاكم معه مساعده أبو الفهد وسائقه والحارس ومدعوم في البداية من رئيس الأركان والذي يتخلى عنه في نهاية القصة".

تبدأ القصة السينمائية، عندما يتم قذف حجر على سيارة حاكم عسكري بيت لحم، فيتهم فتى كان قريبا من الحادث وملاحقته وضربه وسجنه وسجن والده وطرد أخته من الوظيفة. وبعد يومين يتم إبعاد العائلة (باستثناء الفتى والذي يبقى في السجن-المستشفى) ونقل أثاث منزلها إلى مخيم عين السلطان المهجور قرب أريحا وإغلاق بيتهم بالشمع الأحمر.

القرار الذي يأخذه الأب بالهجوم عبر الصحافة والمنظمات الحقوقية والإنسانية كان هو الملاذ الوحيد الممكن. حجم التضامن كان هائلا وغير متوقع مما يجعل الأب يرى في الإضراب عن الطعام وسيلة ناجعة للتصعيد.

يزداد التضامن ويبدأ الضغط على الحكومة الاسرائيلية، فيتخذ وزير حربها قرارا بعودة الأسرة مستبقاٍ قرار المحكمة العليا واجتماع الأمم المتحدة وهادفاً إلى استعادة صلاحياته التي سلبها رئيس الأركان. لكن الحاكم يحاول التسويف، ويحاول خداع العائلة لإخراجها من المخيم المهجور ولو ليوم واحد قبل العودة إلى البيت، لكن الأب واع لذلك فيرفض. يرضخ الحاكم وينفذ القرار. تعود العائلة ويستقيل الحاكم. فك الشمع الأحمر عن الباب في نهاية القصة تشكل قمة الحدث وانتهاء الصراع، وقد كانت بمثابة عرس شعبي شارك فيه الآلاف من المواطنين.

يقول الشوملي: "قدمت معالجة لإحدى قصص شعبنا تحت الاحتلال، التي رغم مأساويتها، تنتهي بفرح، انها احدى القصص النادرة التي تنتهي كذلك".

يقول الشوملي عن خلفية القصة: "رئيس الأركان رفائيل ايتان (وهو من الليكود) يريد فرض سياسة قمعية شرسة على العرب، بينما وزير الدفاع عزرا وايزمن وهو من حزب العمل يرفض تنفيذ هذه السياسة ذلك أنها تعطي الجيش سلطات تفوق سلطة الحاكم العسكري للضفة وهو من العمل (بن اليعازر –فؤاد)، لكن رئيس الأركان  يستغل المصادمات بين العرب واليهود في الخليل، وعملية الدبويا في مطلع أيار 1980، ليفرض سياسة جديدة على وزير الدفاع ويأخذ من صلاحياته الجزء المتعلق بالإشراف على المناطق المحتلة".

ويظهر السيناريو، الحاكم العسكري في بيت لحم وطريقة ممارساته اليومية وإبراز طموحه للترقية. سيارة الحاكم العسكري تتعرض لحجر غير معروف المصدر. الحاكم يقرر أن (طارق 16 عاماً ابن الصحفي يعقوب) هو الذي رمى الحجر لمجرد أنه كان موجوداً في المنطقة. تتم مطاردة طارق وهو على دراجة هوائية والقبض عليه وتعذيبه وجره للتحقيق.

طارق رغم وضعه الصعب يصر على أنه لم يقذف حجر على سيارة الحاكم. يعتقل الجيش الأب الصحافي واستخدامه للضغط على الابن. الأب يتحلى بالصلابة، والابن لا يعترف بشيء. يتم إرسال الأب والأبن إلى السجن. مدير السجن يرفض استقبال طارق ويقول بأنه بحاجة إلى مستشفى ولا يتحمل مسؤوليته. أما الأب فيزج به في السجن. يتم إدخال طارق إلى المستشفى تحت حراسة، يريد الحاكم هدم بيت الصحافي لكن المهندسين لا يستطيعون بسبب التصاق البيت مع بيتين آخرين.

يقرر الحاكم إغلاق البيت بالشمع الأحمر ونقل الأثاث والعائلة كلها إلى مخيم عين السلطان المهجور. وقد استلزم تنفيذ ذلك فرض منع التجول على مدينة بيت ساحور وقطع الهواتف. كما تم فصل الأخت المعلمة من وظيفتها الحكومية كمدرسة. الجيش يترك العائلة في العراء مع أثاث منزلها في منتصف الليل، والابن في المستشفى أجرى عملية جراحية دقيقة.

يقول الشوملي: "تعتبر هذه اللحظة هي قمة الأزمة التي يواجهها الأب الذي يقرر المواجهة السلمية، منذ ساعات الفجر يتوجه الأب مشيا باحثاً عن منزل رئيس بلدية أريحا، ومن هناك يجري اتصالاته مع المحامية فيليتسيا لانجر، والصحافة المحلية والعالمية ومع الأقارب والأصدقاء. الأب يتقن العربية والانجليزية والفرنسية والإيطالية وهذا يساعد في قدرته على الاتصال".

ويضيف: "تحدث حركات تضامنية غير متوقعة مع العائلة ووفود من مدن الضفة الغربية وإسرائيل ومنظمات دولية وبلديات تخلق أجواء الصمود. الجيش يغلق الطرق المؤدية إلى المخيم. كما يمنع المواطنين من محافظة بيت لحم من الوصول إلى أريحا. لكن المواطنين يجدون طرقاً أخرى للوصول، نتيجة التضامن الواسع الأب يعلن الإضراب عن الطعام تحت شعار: إما البيت أو الموت. الصحافة تجد في القصة غرابة لأنها عقاب جماعي غير مسبوق، وتجد في صمود الأسرة وإضرابها عن الطعام عمل يستحق الكتابة مع التركيز على بدائية الحياة في منطقة مهجورة. كما يتم الاهتمام بمصير عائلة الكعبي والتي تجد الفرصة مواتية للإضراب عن الطعام أيضاً".

تتفاعل القضية، المحامية تقدم اعتراض في محكمة العدل العليا، وتطلب إعادة الأسرة إلى بيتها والمعلمة إلى عملها وإطلاق سراح طارق. الدول العربية تطلب اجتماع الجمعية العامة للأمم المتحدة ويتم تحديد موعداً لذلك. وزير الحرب الاسرائيلي يعلم من مستشاره القضائي بأن القضية خاسرة لا محالة إذا ما عقدت جلسة محكمة العدل العليا. ونتيجة الضغوطات المحلية والدولية والصحافية وبرغبته استعادة سلطاته المسلوبة يصدر وزير الحرب، قراراً بإلغاء القرار السابق وبإعادة الأسرة والمعلمة. ولكن على طارق أن يقدم للمحاكمة. كما يشمل القرار عودة عائلة الكعبي أيضاً إلى نابلس.

بعد صدور القرار، رئيس الأركان والحاكم يغضبان ويماطلان في التنفيذ، ويحاولان من خلال حاكم أريحا إغراء العائلة بالذهاب إلى أي فندق في أي مدينة حتى ولو في القدس أو أي منزل في أريحا بهدف خلط الأوراق وعدم تنفيذ القرار أو تأجيل تنفيذه. كما يتم التلويح بالإبعاد إلى الأردن. رغم الإغراءات والتهديدات ترفض العائلة الخروج من المخيم إلا إلى البيت وبذلك تزداد أزمة الحاكم. العائلة تصر على البقاء في المخيم لمعرفتها بأن الخروج إلى الفندق سوف يفقد القضية مصداقيتها وإثارتها.

يرفض الحاكم نقل طارق إلى المحكة في سيارة الإسعاف، ويصر على استخدام سيارة السجن. في الجلسة الأولى لمحاكمة طارق، يحضر على كرسي متحرك مع أنابيب الجلوكوز، تقوم المحامية برفع دعوى ضد الحاكم ونائبه وسائقه. وتفرض إطلاق سراحه بكفالة. الجلسة تحولت إلى جلسة إدانة للحاكم ونائبه وسائقه، بحضور عدد كبير من المنظمات الحقوقية والإنسانية.

رئيس الأركان يتخلى عن حاكم بيت لحم مما يؤدي إلى استقالته. وزير الدفاع يستعيد صلاحياته المسلوبة من رئيس الأركان وتنتهي سياسة اليد الطويلة رسمياً، (لكنه يستقيل في وقت لاحق ويحل محله أرييل شارون)، تعود الأسرة إلى البيت وسط عرس شعبي، ويتداعى أبناء البلدة لتصليح البيت والأثاث المحطم.

وهذا البيت هو الذي يعيش فيه الشوملي الابن الان، والذي انجز فيه قصته، ويقول: "كتب والدي الراحل يومياته بالإنجليزية تحت عنوان: البيت او الموت، ووجودنا في البيت الان تعلن انه انتصر".

ويضيف: "منذ أن حدثت القصة وأنا أحلم بكتابة السيناريو لها. الكاتب الأردني الراحل غالب هلسا استمع للقصة من والدي مباشرة ودون ملاحظاته وقال أنه سيكتب سيناريو القصة، لكنه توفي قبل أن يبدأ بها".

هناك تعليق واحد: