على مفرق الطُرق
المؤدية إلى بلدة بيت فجار، شرقا، وتجمع مستوطنات غوش عتصيون غربا، يكثف جيش
الاحتلال من وجوده، ويحمل المستوطنون الذين ينتظرون الحافلات أسلحتهم بكثير من
التوتر، وهو ما يفعلونه بشكل دائم، ومن غير المسموح للفلسطينيين الاقتراب من
المحطات التي ينتظر فيها المستوطنون. هكذا هي حال المفرق بشكل دائم، ولكن بعد
الرواية الإسرائيلية باختفاء ثلاثة مستوطنين يُعتقد بأنهم خُطفوا بالقرب من
المفرق، فان الفلسطينيين من سكان القرى القريبة يتجنبون الوقوف أوّ حتى المرور بالمكان،
الذي تعصف به رياح العنف منذ أكثر من 70 عاما.
ولكن بعض
الفلسطينيين يُرحب بهم في المكان مثل الشيخ إبراهيم أبو الهوى، الذي شارك، وفقا
لمصادر إعلامية إسرائيلية، في صلاة مشتركة قرب المفرق، تضامنا مع أهالي المخطوفين
المفترضين.
نوع آخر من
الفلسطينيين "يُرحب" بهم أيضًا، وإن كان ذلك رغم أُنوفهم، وهم الذين
تعتقلهم قوات الاحتلال من محافظتي بيت لحم، والخليل، ويزجون بهم في المعتقل داخل
تجمع مستوطنات غوش عتصيون، والذي يضم أيضًا مكاتب الادارة الاحتلالية، والمخابرات،
والجيش.
استهداف جنة عدن
وداخل هذا
التجمع، يعيش فلسطينيون، قصة صمود توصف عادة بالأسطورية، خصوصا في ما تبقى من قرية
بيت سكاريا، بجوار مقام يُنسب للنبي زكريا.
ويعيش هؤلاء،
حياة صعبة، مع استمرار عدم السماح لهم بالبناء، والهدم المستمر لأي شيء يبنونه
مهما كان متواضعا، ولا يسمح لهم بوضع سماعات على المسجد.
ويعود الفضل
في صمود هؤلاء إلى الحاج إبراهيم عطا الله، الذي تمكن من الحفاظ على وجود فلسطيني
في المنطقة رغم الأهوال التي تعرض لها، ورحل ووصيته لأحفاده الصمود في المنطقة.
المنطقة التي
يقع فيها تجمع غوش عتصيون، جنوب القدس، أسالت لعاب رواد الاستيطان الصهيوني في
فلسطين، وهي التي وصفت من قبل الرحالة، مثل الفارسي ناصر خسرو، بانها (جنة عدن)
وهو التعبير الذي يحلو للمستوطنين استخدامه، للترويج السياحي لتجمع غوش عتصيون
الاستيطاني.
بدأ الاستيطان
الأوّل في المنطقة، عام 1948، على أراض تعود لعدة قرى فلسطينية، وخلال معارك 1948،
أصبحت المستوطنات اليهودية في غوش عتصيون، هدفا، للمجاهدين الفلسطينيين، والجيش الأردني
بقيادة الجنرال عبد الله التل، قائد منطقة القدس، وجرت عدة معارك أدت إلى تمكن
الجانب العربي من اخلاء المستوطنين منها.
وبعض هذه
المعارك جرى على شارع القدس-الخليل، وكانت جزءا مما عُرف في أدبيات حرب 1948،
بمعارك الطرق، واكتسبت أهمية خاصة لأنها شكلت خطا للدفاع عن القدس.
وفي حين زها
الجانب العربي ببطولاته في معارك غوش عتصيون، وتمكنه من قتل وأسر كثير من
المستوطنين، فانها تحولت بالنسبة للمستوطنين جرحا غائرا على هزيمة كان يمكن ان
تكون أعمق. وتبدد حلم استيطاني، تم الاعداد له جيدا.
قصة صمود
ولهذا كان ما
جرى في المنطقة بعد الاحتلال في حزيران 1967، متوقعا، حيث نفذت قوات الاحتلال
عملية تطهير عرقي، شملت السكان العرب، ويبرز هنا اسم منطقة الحبيلة كنموذج للعدوان
الإسرائيلي، حيث تم تهجير جميع السكان منها، إلى مخيمات محافظة بيت لحم.
وفي تلك الأيّام
الصعبة، برز دور الحاج إبراهيم عطا الله، الذي رفض المغادرة مع عائلته، وفي حين
نجح في هزيمة الحراب الإسرائيلية، كان عليه أيضًا الاستمرار لمقاومة الأساليب
الأخرى، والعروض التي قدمها له شخصيا الجنرال المنتصر موسى ديان.
وعاش عطا
الله، حتى قبل رحيله، في آب 2011، حارسا ليس فقط للأرض، ولكن أيضًا للإرث الثقافي
في المنطقة، وخاض وحيدا معاركه بهذا الشأن، ومثال ذلك، تصديه لتهويد شجرة بلوط
معمرة اسمها (بلوطة اليرزة) التي حولها المحتلون إلى موقع سياحي باسم (البلوطة
الوحيدة)، ووضعوها على الخارطة السياحية لتجمع غوش عتصيون. ورفع عطا الله قضية في
المحاكم الاحتلالية ضد المستوطنين للاحتفاظ بالشجرة، لكنه خسرها.
المستوطنون،
سارعوا في تهويد الارث الثقافي الفلسطيني في المنطقة، فبدّ الزيتونة، مثلا أصبح
معلما سياحيا باسم حمام الآباء، وعين أبو كليبة، أصبحت عين كالب، وعين سجمة تهودت إلى
عين (هاتزف) وعين الحبيلة إلى عين ماسيوت، مع تقديم تاريخ لهذه المواقع وغيرها
يناسب الرؤية الاستيطانية.
انطلاق
الاستيطان الجديد
ومن هذه
المنطقة، بدأت أكبر عملية، سرقة للأراضي الفلسطينية بتعاون حكومي احتلالي، مع
المنظمات الاستيطانية الأخرى، قادها حنان بورات، حيث بُدء من جديد الاستيطان في
المنطقة. وتوسع الاستيطان ليضم الان 22 مستوطنة ضمن نطاق تجمع غوش عتصيون، إضافة، إلى
نفوذ التجمع ليشمل مستوطنات شرق القدس، مثل معاليه أدوميم.
ومن غوش
عتصيون انطلقت حركة الاستيطان الجديدة، لتشمل مختلف المناطق في الضفة الغربية، وما
تزال مستمرة حتى الان، يشترك فيها لاعبون كثر.
واكتسب هذا
التجمع أهمية في الفكر السياسي لحكومات الاحتلال المتعاقبة باعتباره يشكل حدود
القدس الكبرى الجنوبية.
رئيس الوزراء الإسرائيلي
بنيامين نتانياهو، يعتبر هذا التجمع الاستيطاني، ضمن حدود القدس، وهو ما أعلنه في
شهر آب 2012، من استمرار البناء الاستيطاني فيه، مؤكداً على بقائه في ظل سيطرة
الاحتلال، في أي ظرف من الظروف.
الفلسطينيون
الصامدون على أرضهم، لا يحتاجون، لتصريحات إسرائيلية رسمية، ليدركوا صعوبة الأمر، فهم
يعيشون الواقع المرّ في كل لحظة، ولكنهم يغضبون عندما يسمعون تسريبات من أطراف
فلسطينية، باحتمال شمولهم بأية عملية محتملة لتبادل الأراضي بين السلطة الفلسطينية
ودولة الاحتلال، وقبل سنوات احتجوا، بقيادة الحاج ابراهيم عطا الله، بشدة على
تصريحات لمسؤول فلسطيني خلال لقاء مع إسرائيليين في الخارج، أبدى فيه استعدادا
فلسطينيا للتنازل عن المنطقة التي يشغلها تجمع غوش عتصيون، ضمن عملية محتملة لتبادل
الأراضي.
في 13 أيّار
1984، تمكنت القوات العربية من تحقيق نصر، وصف بالساحق، ضد مستوطني غوش عتصيون، وحسب
مصادر إسرائيلية، فان هذه القوات تمكنت من قتل نحو 130 مستوطنا، انتقاما لمجزرة
دير ياسين التي ارتكبتها العصابات الصهيونية، وتم أسر عددا آخر.
وفي حزيران
الجاري، تعلن المصادر الإسرائيلية، أسر ثلاثة مستوطنين من نفس المكان، الذي لا
يعرف الهدوء منذ سنوات، وبدلا من ان يكون جنة عدن حقيقية يعيش فيه أصحابه، بسلام
نسبي، ويواصلون مراكمة تقاليد جديدة إلى تراث يمتد قرون، ويحتفون بعيون الماء، والأشجار،
والأعياد، وأصوات الريح، والحيوانات، ويؤلفون الأساطير، أضحى، بسبب شرور الاحتلال،
التي لا تنتهي، أقرب إلى جهنم أرضية.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق