عدسة: أحمد
الكايد
يُسمع ضجيج من
المدرج الروماني، في تل سبسطية الأثري، ولكن هذا المسرح الروماني، الذي يعتبر أحد
معالم التل الأثري الذي اقيمت عليه مدينة كان لها شأن تاريخي مهم، لا يشهد عروضا
فنية أو مسرحية، كما حدث خلال مئات الأعوام، وإنما هو ضجيج آليات الاحتلال التي
تعمل على تغيير الواقع الأثري في واحد من أهم المواقع الاثرية الفلسطينية، كما يرى
علماء الاثار.
أمام صفوف
المدرج المبني من حجارة صمدت على مر السنوات، تجري أعمال حفر، ونقل حجارة، وتغيير
مواقع أعمدة صغيرة، تشرف عليها ما تسمى سلطة الحدائق الإسرائيلية، وفقا لعمال
محليين.
سلطات
الاحتلال التي كانت تُحكم قبضتها على تل سبسطية الأثري، وتجمع مبالغ مالية من
المواطنين والسياح الذين يرغبون بالتجول في التل، غادرت المكان، في الانتفاضة الأولى.
ووظف المحتلون،
حارسا محليا، بعقد مع سلطة الحدائق الإسرائيلية، للإشراف على المكان، وبعد اتفاق أوسلو،
أصبح التل مصنفا ضمن المناطق (ج)، ولم يُسمح للسلطة الوطنية الاشراف عليه. ويزور
التل بشكل دائم، مجموعات من المستوطنين والإسرائيليين، بمرافقة جنود الاحتلال.
العمل الذي
ينفذه المحتلون في التل، لا يقتصر على المدرج، الذي يبلغ قطره الخارجي 65م، ولكنه
يشمل أيضا مواقع أخرى، مثل شارع الاعمدة البديع، في الجهة الجنوبية للتل، والذي
يمتد من البوابة الغربية إلى الطرف الشرقي للبلدة، وتعود الاعمدة والنقوش عليها
إلى نهاية القرن الثاني الميلادي.
يتكتم
المحتلون على ما يفعلونه في التل، ولكن بعض العمال قالوا بان الحديث يتعلق بصيانة
وفتح طرق، وتعبيدها. ويتم ذلك بدون أي تنسيق مع وزارة السياحة والاثار الفلسطينية.
أحمد كايد،
أحد سكان سبسطية وهو مرشد اثري، ينتقد بشدة ما يفعله المحتلون، ويقول بان ما يجري
هو: "تغير الواقع الأثري والتاريخي في سبسطية، بحجة التنظيف والصيانة، وفتح
طرق وتعبيدها".
ويضيف وهو
ينظر باسى لما يجري: "لقد أدخلوا البلدوزرات، والآليات الثقيلة، لا يمكن ان
يكون هذا للحفاظ على الآثار، وإنما لتدميرها، إن ما يفعلونه مخالف لكل القوانين الدولية،
ويجب ان يتوقفوا حالا".
ما يفعله
المحتلون اثار غضبا كبيرا لدى السكان ومؤسسات سبسطية، وعلم مراسلنا، بانه تم رفع
كُتب للجهات المحلية المعنية، وكذلك لمنظمة اليونسكو، باعتبار ان ما يحدث يغير
واحد من المعالم الاثرية المهمة ليس فقط في فلسطين، ولكنه يكتسب أهمية عالمية.
جرت تنقيبات
اثرية عديدة في سبسطية، باعتبارها السامرة القديمة، وتم تحديد العديد من الطبقات
الاثرية في التل الأثري، وفي المنطقة الشرقية، المصنفة ضمن مناطق (أ).
وتشهد المعالم
التي ما زالت باقية في سبسطية، على حقب حضارية مختلفة كالفورم الروماني، والذي يقع
في منطقة البيادر، والبرج الدفاعي الهيليني، وهو أحد المعالم الملفتة في التل،
ومعبد اغسطس، الذي بناه هيرودس واهداه للإمبراطور الروماني اغسطس، والدير الإغريقي
وكنيسة الرأس، ومسجد سيدنا يحي (الكاتدرائية الصليبية)، والمقبرة الملكية،
والكنيسة الصغيرة، بالإضافة إلى سور وبوابات المدينة.
يعتقد بان
سبسطية هي السامرة، المملكة الإسرائيلية الشمالية التي اتخذت التوراة منها موقفا
معاديا جدا، إلى درجة التقليل من شانها، على حساب مملكة يهوذا في مرتفعات القدس،
رغم أن الاكتشافات الأثرية تغالط الرواية التوراتية وتنتصر للمملكة الشمالية،
وساهم في ذلك، الشواهد من خارج الكتاب المقدس، مثل بعض النقوش التي عثر عليها سواء
في العراق أو مصر.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق