يواجه تل
النصبة، في مدينة البيرة، خطرا محدقا، بسبب البناء العشوائي من قبل بلدية الاحتلال
في القدس، في حين تجري في الولايات المتحدة الأميركية، دراسات واسعة للقى أثرية،
عثر عليها في التل، لاكتشاف تقاليد الحياة اليومية في فلسطين قبل ثلاثة آلاف عام.
ويطل التل
الأثري، على شارع رام الله- القدس، وهو واحد من المواقع الأثرية المهمة في فلسطين،
التي تكتسب أهمية لدى الباحثين في تاريخ الأرض المقدسة، في مختلف دول العالم.
وينقسم التل
الآن إلى قسمين، الأول يتبع بلدية البيرة، والثاني وضعت بلدية الاحتلال في القدس
يدها عليه، وضمته عنوة لحدودها.
وفي حين تتخذ
السلطة الوطنية اجراءات معينة لمنع التمدد العمراني على التل الأثري، فانه في
القسم الآخر الذي اغتصبته بلدية الاحتلال في القدس، تجري عملية بناء لا تنقطع،
لتشييد ما يصفها البعض بناطحات سحاب، تبدو مثل علب الكبريت، ودون بنية تحتية
خدماتية. وتغض السلطات المختصة في بلدية الاحتلال في القدس، النظر عن البناء
المتسارع غير المرخص، أو انها تمنح تصاريح، دون الأخذ بعين الاعتبار أهمية الموقع
الأثرية، وذلك لأسباب سياسية، فهي ترغب بتهجير المزيد من المقدسيين إلى أماكن خارج
القدس، وهو ما يمكن ان يتوفر في هذه البنايات. وما يهمها هو ان يدفع اصحابها ما
يترتب عليهم من ضريبة "الأرنونا". رفض بعض الذين يعملون في ورش البناء
هذه الحديث معنا، وامتنع مقاولون وأصحاب بنايات ينشرون أرقام هواتفهم على واجهتها
بهدف البيع، الحديث عن الفوضى والعشوائية وعدم الترخيص، وتدمير الارث الثقافي.
يقطن في التل
عائلات بدوية قليلة، تمارس الرعي في المكان منذ سنوات طويلة. وحسب مصادر محلية،
فان ضم أجزاء من التل إلى حدود بلدية الاحتلال في القدس تم بعد الاحتلال، ضمن خطة
المحتلين الجديدة توسيع حدود القدس على حساب أراضي مدن مثل بيت لحم، وبيت جالا،
وبيت ساحور، والبيرة، وغيرها.
بعض معالم
التل الأثرية ما زالت صامدة منذ آلاف الأعوام، مثل بقايا السور الذي يعود للعصر
الحديدي، وبعض المعاصر وغيرها.
مدينة عمرها
آلاف الأعوام
يعود الاستيطان في التل إلى العصر البرونزي
المبكر، واستمر فيه مع حضارات مختلفة مرت على فلسطين، وبالنسبة لعلماء الآثار
المتأثرين بالكتاب المقدس، فانهم حددوا التل باعتباره مدينة (المصفاة) التوراتية،
التي ازدهرت من 1000 - 586 قبل الميلاد.
التل الذي
يبعد نحو 12 كلم عن القدس، اكتسب شهرة عالمية، مع بدء الحفريات فيه من قبل عالم
الآثار وليام ف. بادي (1871 - 1936) من المدرسة التوراتية في بيركلي- كاليفورنيا،
وذلك خلال خمسة مواسم حفريات في السنوات 1926، و1927، و1929، و1932 و1935. أجاد
بادي 14 لغة، بينها عدة لغات شرقية قديمة، كالعبرية، والعربية، والأكادية،
والأثيوبية، والآرامية، وتمكن من مسح نحو 32 دونما، أي نحو ثلثي الموقع، وتوفي في
نهاية آخر موسم حفريات، ما اثر على تقرير النتائج النهائية لها، الذي نشر في عام
1947، من قبل زملاء له، خصوصا انه لم يتم استكمال الحفريات، بسبب الكساد المالي في
الولايات المتحدة، واعتبار ان تخصيص أموال اضافية لحفريات أثرية هو نوع من الترف.
وتتزايد
الآراء، بضرورة اعادة النظر فيما نشر من تحليل لنتائج الحفريات. وبدأت في
ثمانينيات القرن الماضي جهود في هذا المجال، باستخدام الحاسوب لفحص النتائج
الثقافية والتاريخية والمادية للموقع.
اكتشافات
مذهلة
تم خلال الحفريات، اكتشاف أكثر من خمسين شظية من
الفخار الفلسطيني، تعود للعصر الحديدي الأول، وكشف عن جدار سميك يعود للعصر
الحديدي الثاني، وأبراج وبوابات تعتبر واحدة منها فريدة من نوعها في فلسطين،
وتعتبر من أقوى الأنظمة الدفاعية في البلاد في ذلك الوقت. وتم الكشف عن مخازن
استخدمت على الأرجح في أوقات المجاعة والحصار، وقنوات تصريف، ومقابر، وأوزان،
وأختام، بما في ذلك 87 من الأختام على أيدي الجرار الفخارية التي تسمى (لمك)،
والتي تحدد مصدر انتاج النبيذ أو الزيت المخزن بها. إضافة إلى محاريث، ومعاول
وسكاكين ومناجل، وملاعق مصنوعة من العظام، وسهام برؤوس برونزية وحديدية، وعثر أيضا
على أدوات استخدمت للزينة، كأدوات الكحل، والمكياج، والأطباق لطحن وخلط مستحضرات
التجميل، ودبابيس لربط الملابس، وأنواع مختلفة من الأقراط والخلاخل والأساور،
ومئات المصابيح، والطاسات. ويمكن التوقف عند الحياة الدينية، للشعب الذي عاش في تل
النصبة، من خلال عشرات التماثيل التي تمثل الالهة الانثوية. ومعظم هذه الموجودات
أرخت إلى العصر البرونزي المبكر العمر (نحو 3500-3300 قبل الميلاد) والعصر الحديدي
الثاني (نحو 950 - 586 قبل الميلاد) الفترات.
وتم الكشف عن
أفران، لإنتاج الفخار، والجرار لتعبئة النبيذ، وعثر على قطع نقدية تعود للبطالمة،
والسلوقيين، والحسمونيين، والرومان، والبيزنطيين. وكشف عن كنيسة بيزنطية، إلى
الجنوب الغربي من الموقع، وعلى مقابر البيزنطية، اضافة الى ارضية فسيفسائية.
آثار خارج
البلاد
مجموعة كبيرة من اللقى الأثرية التي عثر عليها
وليام فريديك بين عامي 1926-1935، موجودة الآن في متحف باسمه للآثار التوراتية في
المدرسة الدينية في بيركلي- كاليفورنيا. وتضم أكثر من 5800 قطعة، وكان الاتفاق، مع
حكومة الانتداب البريطاني، ان يتم وضع نصف ما يعثر عليه في المتحف الفلسطيني
(روكفلر) في القدس الشرقية، والنصف الثاني يشحن إلى بيركلي. ومن المعروف ان سلطات
الاحتلال وضعت يدها على المتحف الفلسطيني بعد الاحتلال في حزيران 1967.
ويتم الآن في
المتحف في بيركلي، دراسة المواد التي عثر عليها، لوضع تصور أكثر علمية للحياة في
فلسطين قبل ثلاثة آلاف عام.
ويتم من خلال
علم الآثار البيولوجي، تحليل الهياكل العظمية لنحو 27 من الأحداث والكبار من
الجنسين، من العصر البرونزي المبكر وحتى العصر الحديدي في محاولة لتسليط الضوء على
تقاليد الحياة والموت في الشرق الأدنى القديم منذ أكثر من ثلاثة آلاف سنة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق