لم يتمالك
موظفو سلطة الآثار الإسرائيلية، أنفسهم، عندما بدأت تكتمل، أخيرا، الأرضية
الفسيفسائية، في الموقع الذي أجروا فيه حفرية اثرية إنقاذيه، جنوب البلاد.
كان هؤلاء
يدركون، انهم، ازاء موقع يعود لأكثر من 1500 عاما، وانهم كشفوا عن فسيفساء
بيزنطية، تعود إلى ما بين القرنين الرابع والسادس الميلاديين، خلال حفرية إنقاذيه
قبيل شق تقاطع لشارع رئيس في النقب. ولكن ما كشف عنه باطن الأرض، فاق توقعاتهم.
وحسب ما أعلنته
هذه السلطة، فانهم عثروا على بقايا مستوطنة بيزنطية، تمتد على أكثر من ستة دونمات،
وكُشف عن المبنى الرئيس في الموقع، والذي يضم قاعة كبيرة: 12 مترا طولا و8.5 مترا عرضا،
وتزين أرضيتها فسيفساء مذهلة. بأنماط هندسية، وجرار لنقل النبيذ، وزوج من الطاووس،
وزوج من الحمام، وغيرها من تصاميم معروفة من الفترة البيزنطية، ولكن ما يجعل من
هذه الفسيفساء فريدة من نوعها في فلسطين، وجود عدد كبير من الأفكار التي تم دمجها
في سجادة فسيفسائية واحدة.
واكتُشف، أيضا
حمّامات ونظام من القنوات والأنابيب بينهما تستخدم لنقل المياه أمام المبنى. ولا
يزال علماء الآثار في سلطة الآثار الإسرائيلية يحاولون، تحديد الغرض من المبنى
العام.
ويبدو أن
الموقع، الذي يقع على طول الطريق القديمة إلى الشمال من بئر السبع، شمل كنيسة، ومبان
سكنية ومخازن، وصهريج كبير، ومبان عامة ومجمعات تحيط بها الأراضي الزراعية. وقد
يكون أحد المباني استخدم كخان للمسافرين.
أحد المسؤولين
عن الحفرية قال: "الفسيفساء التي رأينها، تدعو للإعجاب، وتطلبت منا التقاط الأنفاس،
حتى استيعاب هذه المفاجأة".
خلال السنوات
الماضية، كشفت سلطة الآثار الإسرائيلية عن مواقع عديدة تعود للفترة البيزنطية في
صحراء النقب، من بينها إضافة إلى الكنائس، كُنس يهودية، تعود إلى تلك الفترة، بنيت
بجانب كنائس. ومن المعروف، انه توجد في فلسطين، عدة كنس تعود للفترة البيزنطية وأوائل
الفترة الإسلامية، مثل كنيس شهوان في أريحا، ولم تسفر جهود السلطة الإسرائيلية، في
البحث عن تاريخ يهودي أقدم، إلا عن كشف مزيد من هذه الكُنس التي يعكس وجودها وفقا،
لمختلف الآراء، ما يمكن وصفه التسامح في الفترة الانتقالية التي عاشتها فلسطين
نهاية حكم البيزنطيين، ودخول العرب المسلمين إليها.
الآثار
البيزنطية في صحراء النقب، التي تبلغ مساحتها 14,000 كيلو متر مربع، عديدة ولكنها
تعرضت للتدمير، على مر السنوات، وقد يكون من المؤسف، بان التدمير الأبرز الذي
تعرضت له بعض الكنائس، كما هو حال البقايا الأثرية في تل مشاش السبع، يعود لفترة
اهتمام الحكم العثماني في المنطقة وبناء مدينة بئر السبع الحديثة، في أوائل القرن
العشرين، وهو اهتمام حكمه العلاقة المتوترة بين العثمانيين والاستعمار البريطاني
في مصر. ونذر الحرب، ما استدعى الاهتمام بجبهة فلسطين الجنوبية.
ووفقا للمؤرخ
عارف العارف، الذي شغل منضب قائم مقام بئر السبع، بعد الانتداب البريطاني، فانه تم
استغلال حجارة كنائس تل مشاش السبع، في بناء مدينة بئر السبع الحالية، والبعض
الاخر نقل إلى غزة، ولم يستبعد العارف، ان تكون الحكومة العثمانية، أباحت تكسير
قسم من الحجارة من أجل رصف قسم من الطريق المعبد بين بئر السبع والخليل.
شكلت صحراء
النقب، حلما لأبي دولة إسرائيل، بن غوريون، بتحويلها جنة يسكنها اليهود، فنفذت
العصابات الصهيونية، حملة تطهير عرقي شملت أغلب العرب، ومَن تبقى منهم، تعاملت
معهم السلطات الإسرائيلية كهنود حمر، جمعتهم في "محميّات" خاصة، وأيّ
تجمع لهم خارجها، أُعتبر "غير شرعي".
الكشف الجديد
يذكر، بأكثر المواقع شهرة وأهمية، الذي يحضر فيه بيزنطيو النقب، والمقصود قلعة
عبدة، التي بناها الأنباط، وتعتبر ثاني أكبر مدينة لهم، بعد البتراء الأردنية، على
طريق القوافل، وهي تربط موانئ العالم القديم على البحر الأحمر كأم الرشراش
(إيلات)، وغزة على البحر المتوسط بمدن الداخل المصري والسوري. وتتحكّم هذه القلعة
في هذه الطرق التي سارت عليها القوافل المحملة بالبهارات والبَخُّور والعطور
والأحجار الكريمة.
قلعة عبده تحوي
آثار حضارات عدة، فهناك آثار رومانية وأخرى بيزنطية، ويبدو أن المدينة حققت مجداً
غير مسبوق في تلك الفترة. ويدل على ذلك الدير وكنيسة القديس ثيودوروس، وكنيسة أخرى
تُعرف بالكنيسة الشمالية، التي ما زالت تحتفظ بجرن المعمودية القديم المحفور على
شكل صليب، واستُخدمت حجارة نبطية في بناء هذه الكنيسة، الأمر الذي جعل الآثاريّين
يرجّحون أنها بنيت على بقايا معبد نبطي، وتؤكد ذلك تيجان الأعمدة والكتابة النبطية
ورسوم للطيور. نجح الإسرائيليون، في وضع عبدة، مع ثلاثة مواقع نبطية أخرى، على
قائمة التراث العالمي التابعة لليونسكو، عام (2005) بأسمائها الإسرائيلية الجديدة.
كل فاتح وغاز، أتى إلى هذه الصحراء، إما انه نطر إليها بطريقة مختلفة، كما فعل الأنباط
مثلا، الذين بنوا سلسلة الحصون على طريق البَخُّور والتوابل. وبقيت حتى الان تشهد على
تلك التجارة المزدهرة بين جنوب شبه الجزيرة العربية ومنطقة المتوسط، منذ القرن
الثالث قبل المسيح حتى القرن الثاني الميلادي، أو أهملوها، تاركينها لقبائلها،
تتحارب، وتتصالح، كما فعل العثمانيون، أو حاولوا الاستحواذ عليها، كما يفعل
المحتلون الجدد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق