على أنقاض
منازل قرية الولجة المدمرة، ومقبرتها المنبوشة، يتنزه إسرائيليون، في مسارات مشي،
وضعتها سلطة الطبيعة الاحتلالية، وطرق تم شقها للسيارات، وأخرى للدرجات الهوائية.
حولت سلطات
الاحتلال القسم الذي احتلته من قرية الولجة، جنوب القدس، عام 1948، والذي يسمى
الان الولجة القديمة، الى غابات تمتد الى قرى مدمرة اخرى، في فضاء ارادته ان يكون
"سويسريا" ليلائم طبيعة المستعمرين اليهود الذين اتوا من خارج فلسطين،
وقليل منهم يأبه للآثار الباقية للولجة المدمرة، التي لم تستطع كل العقود الماضية
بعد النكبة من محوها.
وتطلق جمعية
(ذاكرات) الإسرائيلية، التي تسعى لرفع ما تصفه الوعي لدى الجمهور الإسرائيلي
بالنكبة، قرية الولجة، بانها قرية العيون، والتي تُعتبر من اكثر المقاصد السياحية للإسرائيليين،
في حين ان أيا من مواطني الولجة الجديدة، التي أُقيمت على ما تبقى من اراض القرية جنوب
سكة الحديد القدس-يافا، معرض للاعتقال اذا حاول تجاوز السكة، ليلقي نظرة على بقايا
منازل الاجداد.
وفي وسط
الولجة المدمرة، ثمة مجموعة من العيون التي أدخل المحتلون، عليها تعديلات لتناسب
وظيفتها لخدمة المستعمرين الجدد، مثل عين البلد، التي يقع بالقرب منها مسجد
الاربعين.
ويحلو لأبناء
قرية الولجة، إعادة هذه العين الى العصر الكنعاني، ويستدلون على ذلك من طريقة
بنائها والنفق الذي حفر في الصخر ومنه تنساب المياه الى بركة.
في العصر
الاسلامي طرأ تغير على النظام المائي لهذه العين، حيث تم جر مياهها عبر قناة
لتوصيلها إلى مسجد القرية، والاستفادة منها في الوضوء والطهارة، اضافة الى دورها
كمورد ماء رئيس لأهالي القرية، أما الماء الزائد عن حاجة الناس، فيسير عبر قنوات
لسقي جنان القرية التي بنيت على مدار عهود.
الان اصبحت
العين، مستهدفة من قبل المتدينين اليهود، مثل عيون الولجة الاخرى، لاستخدامها
بطقوس الطهارة والتعميد الخاصة بالدين اليهودي، حيث تلعب مياه الينابيع دورا مهما
في ذلك. ويدخلون الى نفقها عراة، للاستحمام.
وقال احد
المستوطنين اليهود الذي كان وصحبه يستمتعون بمياه العين لمراسلنا، بان ثمة ما وصفه
صراع على هذه العين بين السلطات الرسمية والمتدينين، على وظيفتها، حيث تسعى سلطة
الطبيعة الاحتلالية الى توسيعها لخدمة المتنزهين الاسرائيليين الذين يزداد عددهم.
في حين يريد المتدينون المحافظة عل وضعها كما هي.
وغيرت سلطات
الاحتلال اسم العين الى (نبع ايتمار) ووضع المحتلون، لوحة على أعلى مدخل النفق،
تشير الى ان اسمها الجديد، نسبة الى ايتمار دورون "الذي قُتل في هذا المكان
بتاريخ 13.10.1998". (نشكر المدون محمد أبو علان على ترجمته للوحة خدمة لهذا
التقرير).
ويروي من تبقى
من سكان القرية في (الولجة الجديدة) بعد احتلال أرضهم شمال سكة الحديد ان المحتلين
لم يتمكنوا من هدم مسجد الاربعين، رغم عدة محاولات، ويتم تداول حكاية اسطورية
بكثير من الرهبة، وهي ان احد العملاء العرب، نبه قوات التدمير الإسرائيلية، بانه
لا بد من وضع 40 لغما، لتدمير المسجد، وهو ما حدث. ولكن يبدو ان القوة التي
اكتسبها المسجد من الأربعين قديسا (كما يفترض) الذين لا نعرف عنهم شيئا، تغلبت
نسبيا على الأربعين لغما، فما زالت بعض جدرانه صامدة، ويتفيأ المستوطنون في ظلها.
ومثل بقايا
المسجد، صمدت بقايا أخرى، بشكل بيدو غريبا، في مواجهة حملة التدمير والتطهير
العرقي القوية، مثل دوامر حديد لمنازل ما زالت مثبتة في الارض، وبقايا قبور على
فتحات تم تفريغها من العظام، أما النبات الذي يفخر الفلسطينيون به بشكل يضعونه في
مكانة رمزية تعبيرا عن الصمود، وهو الصبر، فينتشر في كل مكان، بين الانقاض
والسلاسل الحجرية، التي احتار الاثاريون الاسرائيليون بها، وأعادوها الى اكثر من 7
الاف عام.
شكرا جزيلا
ردحذفزرت القرية، وشعرت بالاسى على الحجارة الصامدة وعلى ما حل بالمسجد اتمنى لو يوما عدنا الى ما كنّا عليه، لكن في هذا العصر، كل ما امتلكه هو الأماني
ولو استطعت فلسوف افعل.