الأمطار تعيد الحياة لمشاهد الطبيعة الفلسطينية

أدت غزارة الأمطار، التي سقطت على فلسطين، خلال الأيام الماضية، إلى تدفق مياه الأمطار، في كثير من الاودية والبرك والينابيع، التي طالما شكلت، جزءا مهما من الطبيعة الفلسطينية، ولكنها جفت كليا او نسبيا، بسبب قلة سقوط الأمطار في مواسم الشتاء الماضية.

ومن أبرز من كان «محظوظا» من خير الامطار، برك سليمان، جنوب بيت لحم، المرتبطة بمشروع قنوات المياه التي غذت القدس بالمياه قروناً طويلة.

والحديث عن ثلاث برك ضخمة، حفرت وبنيت، في الفترة الرومانية المبكرة، في وادي ارطاس، كجزء من مشروع الأمن المائي للقدس، وكانت المياه تتدفق بها في قنوات تحمل مياه ينابيع العروب، ومياه ينابيع (وادي البيار) قبل ان تُضخ عبر شبكة قنوات معقدة إلى القدس.

واستمر هذا المشروع، الذي حافظ عليه الحكام الذين تتابعوا على فلسطين، وسمي في الفترة الإسلامية (قناة السبيل)، حتى عام 1948، ووقوع النكبة الفلسطينية.

وتحولت منطقة البرك، إلى متنزه مفتوح للمواطنين، وبعد تأسيس السلطة الوطنية، أُجرت البرك، لشركة استثمارية، انجزت مشروعا طموحا في المنطقة، لكن اندلاع انتفاضة الأقصى، حال دون أن يرى النور.

وتم تفريغ البرك من المياه، بعد ان تحولت إلى ما يسميها البعض «مصيدة» للفتيان والأطفال، الذين كانوا يجربون السباحة فيها، فيغرقون.

وسيجت الشركة المشرفة على المشروع، محيط البرك الضخمة، كي تمنع وصول الناس إليها، واستأنفت العمل في تأهيل المنطقة، وتم عقد مؤتمرين استثماريين، مثيرين للجدل، في الموقع.

وأصبح منظر البرك الفارغة من المياه، منظرا مألوفا منذ اكثر من 15 عاما، خصوصا بعد تحويل مسار الينابيع التي تغذيها، وتدمير ما تبقى من قنوات بفعل الاستيطان، والإهمال، ولكن المواطنين فوجئوا، بتدفق المياه من جديد في البرك، خلال المنخفض الجوي الأخير، وأدى ذلك إلى امتلاء البركة الاخيرة التي تسمى البركة (التحتا) إلى منتصفها وهي اكبر البرك واحدثها، والتي بنيت في اواخر العهد المملوكي، وامتلأت البركة الوسطى، بشكل كامل تقريبا.

واخذت البرك اسمها على الأرجح من السلطان سليمان القانوني، الذي رمم مشاريع المياه في القدس ومحيطها، وبنى العثمانيون لاحقا، قلعة لحماية البرك والقنوات، تعرف باسم (قلعة مراد).

ويُعتقد ان بركتين من البرك الثلاث قد تعود لحاكم مقاطعة فلسطين الرومانية، هيرودس، صاحب المشاريع العمرانية الكبيرة في انحاء مختلفة من فلسطين.

وأدت غزارة الأمطار أيضا، إلى اعادة الحياة إلى الكثير من المشاهد الطبيعية الفلسطينية، التي غابت خلال السنوات الماضية، مثل تدفق المياه في الأودية التي تغذي البحرين الأبيض والميت.

ومن هذه الاودية، وادي ارطاس، الذي يعتبر اطول الاودية التي تصب في البحر الميت، حيث يصل طوله الى نحو 35 كلم، ويطلق عليه عدة اسماء، مثل وادي (عيطام) كما يسميه الغربيون، او وادي (تقوع) كما يسميه الاسرائيليون، ويتخذ هذا الوادي اسما جديدا خلال مسيرته الطويلة، حسب المنطقة التي يمر منها، مثل (وادي خريطون).

ولم تمنع اعمال استيطانية، ادت الى تراكم الاتربة في مجرى الوادي الاعلى، من تدفق المياه فيه بغزارة، مما فاجا المواطنين، الذي استبشروا خيرا بهذا التدفق غير المالوف لكثيرين منهم، خصوصا الجيل الشاب.

وارتفع منسوب (عين ارطاس)، في قرية ارطاس، جنوب بيت لحم، الى مستويات غير مسبوقة، وارتبطت هذه العين بالتراث الديني باعتبارها (النبع المختوم) الذي ورد في ما يعتبر اعظم قصيدة حب في التاريخ المكتوب، واشهرها، والمقصود (نشيد الانشاد).

وفي ريف بيت لحم الجنوبي، زادت غزارة الينابيع، ومن اهمها (عين الهوية) في قرية حوسان، وبدت المدرجات الزراعية في القرية، وكأنها شلالات قوية، من غزارة المياه.

وتعتبر المدرجات الزراعية، من أهم ما يميز، النشاط الزراعي في التلال الفلسطينية الوسطى، وحاولت سلطات الاحتلال تسجيلها باسمها ضمن قائمة التراث الثقافي العالمي، الا انها فشلت في مساعها.

وفي قرية عين قينيا، قرب رام الله، حولت الامطار، الاودية، وكأنها بحار، وقال المواطن خالد الملح لمراسلنا: «اينما نظرت فستجد المياه تتدفق».

وكان وادي الدلب الذي يمر من القرية، اعلن عن عظمته، قبل عدة اسابيع، عندما تدفقت فيه المياه بغزارة، ولكن يواجه عدة تحديات من بينها، القاء الاتربة والاوساخ، مما يؤثر على مساره، وكذلك محاولات الاحتلال والمستوطنين، بالاستحواذ عليه، في حين وجهت انتقادات لبلدية رام الله، لإقدامها على تدمير عدة عيون تغذي الوادي، خلال مشروع شق شارع في المنطقة.