عشت بين أُمهات أميات
منكوبات، عشن في خيام المخيَّمات، بعد كان لهن أرض ومنازل وذكريات، جميعهن تزوجن
في قريتهن قبل النكبة، وعشن النكسة، وبعض الانتفاضات، واعتقال أولاد وأحفاد، أكثر
بكثير مما شهدن في الحقبة الأردنية.
أتذكر رواياتهن
الشفوية حول اعتقال الأبناء السياسي، في زمن الحكم الأردني للضفة الغربية، وهي
فترة فوَّارة ليس فقط في التاريخين الفلسطيني والأردني، ولكن أيضا العربي. كان
للأبناء ربيعهم، فلكلّ جيل ربيعه، ربيع الأيديولوجيات والأفكار والأحلام التي من
الصعب تحقيقها، أو التي لم يستطع تحقيقها الشعراء والأنبياء والأديان، فقط تحقق في
الحكايات والأساطير، ومنها ما كنَّا نسمعها في أيَّام الشتاء حول كوانين النَّار.
عندما زوَّدني العزيز
بلال شلش، بعشرات الصفحات من أرشيف دولة الاحتلال، من ملفات الحكومة الأردنية،
التي عثر عليها المحتلون بعد النكسة، فوجئت، بتطابق روايات الأمهات الشفوية، بما
جاء بالوثائق. كيف حدث ذلك؟ اعتقدت أنَّ الأمهات يبالغن، أو يضفن، وربَّما يؤلفن،
وهذا كله أعتقده مشروعًا، ويفيدني ككاتب، لكن الوثائق تصدِّق أقوالهن.
للاعتقال السياسي
ذاكرة طويلة تحفر وتؤلم وتعلِّم. رافقتني متلازمته، يمكن لي تحديد موقف، إذا لزم
الأمر، من الموقف من الاعتقال السياسي. أشعر بفرح لاطلاق سراح نظام كامب دايفد للمعتقل
السياسي علاء عبد الفتاح، الذي نقلت والدته، بإضرابها عن الطعام قضيته إلى خارج
البلاد. لماذا تمارس الأنظمة العربية كلّها الاعتقال السياسي؟ وهو منذر بخراب عام
وطام. فقط نظرة للوراء، ماذا حدث مثلًا لنظام عبد الناصر والأسد وصدَّام والنظامين
الإسلامي في السودان، وقبله الشيوعي في عدن؟
ما الخطر الذي يشكله
الشبان، ومعظمهم يناصرون قضيتهم_قضيتنا الفلسطينية، على أنظمة الحكم؟
قبل هوجة احتفالات،
غير مفهومة بالنسبة لي بالدولة، التي شهدتُ منذ عام 1988، احتفالات صاخبة بها، دون
أفهم سببها، أسمع للناشط عمر عسَّاف حديثًا، في راديو أجيال، عن أرقام لعددٍ من
الشبان الفلسطينيين، الذين صدرت أحكاما بإطلاق سراحهم، وما زالوا في سجون شبه
الدولة. ماذا سيحدث إذا تحقق حلم الدولة؟ كم عدد المعتقلين السياسيين سيصبح؟ هذا
كلّه في ظل مأبدة.
كم عدد الأمهات
اللواتي سينقلن للأبناء والأحفاد من ذاكرات الاعتقال السياسي الوطني؟
الصورة: من تهاني
بذكرى الاستقلال للرئيس الراحل ياسر عرفات، من شخصيات وسلطات محلية (أرشيفي).
#بلال_شلش
#عمر_عساف
#علاء_عبد_الفتاح
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق