.
هذا
النوع من النقد، الذي نشره العزيز أحمد زكارنة في مجلة "كتاب" الشارقة
العدد 83 ص90-92، ليس فقط يعلِّم مثلي عن روايته، ولكنَّه يؤكد قناعتي القديمة،
أنَّ النقد هو نوع إبداعي مستقل.
*
القرية، والانكسار، والماء، ثلاثية البقاء والحزن والحياة.
*إن
شكّلَ الفضاء المكانيّ بكلّ أبعاده التاريخيّة والجغرافيّة، مجالاً حيويّاً للرؤى
والتّصوّرات الاستعماريّة المتخيّلة على مرّ العصور، فإنّ أسامة العيسة يَعتبر
القدس في روايته "سماء القدس السابعة – المتوسّط- 2023" مسرحاً مرجعياًّ
لتطوّر السّرديّات اللاهوتيّة المتنازعة، حول هويّة المكان وانتمائه، حيث لا تشتبك
النّصوص الكبرى (التوراتيّة، الإسلاميّة، التاريخيّة، الصهيونيّة، الكنعانيّة) في
حرب سرديّة طاحنة وحسب، وإنّما حاولت جاهدة إعادة تأويل المعنى، بما يخدم
تطلّعاتها؛ فالكاتب هنا، لم يقدّم حكاية القدس كبؤرة لتاريخ غير مكتمل، بل كإطار
لمستقبل لا يزال مبهماً، مما يدفعنا مباشرة إلى قلب الصّراع الحضاريّ، والدينيّ،
والسياسيّ الدائم والمستمرّ.
*تنهض
رواية العيسة، من حيث الشكل والمضمون، على بناء موسوعيّ، لا بالمعنى التوثيقيّ
البارد، وإنما بالبعد المعرفي المُشتبك، الذي يُمكّنه أن يؤسّس لبنية سرديّة عميقة
تُعيد طرح أسئلة الوجود والهزيمة والهويّة ضمن معمار سرديّ شبكيّ مشبع بالرّموز
والدلالات السياسيّة والثقافيّة، على نحو يمنح القارئ منظوراً مختلفاً للقدس
المدينة الضحيّة، الشاهدة، المغتصبة. لتحاكي وتجادل قصة القدس، بهذا المعنى، عديد
الرّوايات العقائديّة والفكريّة، من نصوص ومرويّات وحفريات ووقائع واهازيج
واتفاقيّات وتقارير، متقاطعة أحيانا، ومتباينة في مرات أخرى.
*هذا
البناء الموسوعيّ، جاء مرتكزاً على ثلاثة محاور أساسيّة هي؛ القرية/ المدينة
بوصفها كناية عن فلسطين، والانكسار المتمثل في "طربلة/ عُنّة السبع"
باعتبارها مرآة لغياب الفعل العربيّ بعد النكبة وبعد نكسة، والماء كرمزٍ متحوّل
للسيادة والهويّة، وهو ما يُمكن أن نربطه بدلالات طاحونة القدس، وسلّم الكنيسة،
كذروة رمزيّة للاشتباك والتّخلّي، والانهيار والصّعود في عصور مختلفة؛ وهو ما
يُؤكّد أن هذا الجهد البحثيّ المضني، حول "مدينة نصيّة" كما القدس، كان
مهماً وضروريّاً في سياق الرّد على رواية الاستعمار، ليس بالشّعارات وحدها، وإنّما
بالحكايات أيضا؛ بعيداً عن تفسيرات قواميس اللاهوت اللغويّ، قريبا من الغوص عميقاً
في بحار الذاكرة الحيّة، ومن الذاكرة الفرديّة إلى التاريخ الجمعيّ، ومن المكان
المجرّد إلى الإنسان الرّوح، ومن الرواية السياسيّة إلى تفاصيل الحكاية التي
تتدفّق بلا توقّف، من دون التورّط في الأحكام النهائيّة، ببساطة لأنّ
"المقدّس يخلق أعداء كثيرين له، بعكس المُدنّس" ص94
تفاصيل:
#أحمد_زكارنة
#سماء_القدس_السابعة
#منشورات_المتوسط
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق