أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 30 أغسطس 2025

في الترند!


 


حرص الأستاذ هيكل، على ترجمة كتابه خريف الغضب بنفسه، إلى العربية. بادرت جريدة الأهالي القاهرية المعارضة إلى نشر المقدمة، تمكنَّا في الأرض المحتلة من الاطلاع عليها. تصل إلينا المطبوعات المصرية، فضلة ذيل اتفاقيات الاستسلام.

بهرت، ليس فقط بأسلوب هيكل، ولكن أيضًا بما جاء في المقدمة، عن عصر النجوم، الذي يمكن أن يلمع فيه أمثال السادات، بعد عصر العمالقة الخابي، ويمكن أن يتحدَّد دور السياسي، بمدى ظهوره على أغلفة مجلة تايم مثلا، وليس بانجازاته. طبعا هذا ابتسار مخل لمقدمة هيكل، أظنها اليتيمة التي نشرتها الأهالي آنذاك من الكتاب، لمنعها من النشر وربما مصادرتها. اعتبر كتاب هيكل، الذي أعيد نشره في الأرض المحتلة، الاغتيال الحقيقي للسادات.

أظن أن هيكل عاش، ليشهد عصر الترند، وربما لم يعش تسيده، وتسديد الضربات القاتلة لمفهوم الصحافة كما عرفناه. خاصة في ظل تغول وسائل التواصل الاجتماعي. فتغيب الأولويات والاهتمامات. يمكن للترند أن يوجِّه اهتمام النَّاس إلى فستان فنانة مغمورة، ويمكن أن تُمرَّر مجازر، كما في غزة، والساحل السوري، والسويداء، دون الاهتمام اللازم. كيف يمكن تصوَّر تعامل الرأي العام الترندي مع هذه المجازر، وكأنَّها لم تحدث؟

في الأسبوع الماضي، اقتحم جيش الاحتلال وسط رام الله_ البيره، ولكن الاهتمام بالاقتحام خبا، بعد نزول المحافظة غنَّام إلى الشارع، وبالطبع، نشرت صورها على الفيس بوك وشقيقاته، ما ساهم في تحويل الفعل إلى بروباغندا. فجأة لم يعد ما يُستفز الاقتحام، ولكن نزول غنَّام. وشيوع ما بدا أنَها حملة ضد المحافظة. وليس ضد الاحتلال.

ما أثار اهتمامي، تصريحات اُصدرت، وبيانات حُبرت، وآراء كُتبت، وتحليلات جندرية ونسوية ظهرت، دفاعًا عن ما اعتبر اساءة لغنَّام. مثل كل ترند يخبو. ولم يعد تُذكر (اساءة الاحتلال) إلا الجرحى وأهلهم. لم نعرف ما هي نتيجة الاقتحام.

أمر مفزع، أن يستفز نزول غنَّام للشارع، أكثر من اقتحام جيش الاحتلال، والمأبدة في غزة، وتشريد الآلاف في الضفة، والتعذيب في السجون. ماذا يعكس تسيُّد المزايدات؟ صديق ثوري فتحاوي، يكره فتحاويته، ما يقلقه، ليس فقط ما يحدث لنا، ولكن أيضًا، أنً مُحررًا أمضى أربعين عامًا في السجون، امتلك منزلًا، باعتبار ذلك انحرافًا مبدئيا؟ لماذا يصر ثوريّ المجالس، الذين لا يدركون مدى تفاهتهم، على الإساءة النفسية لأصدقائهم؟

في غابة الترندات، ماذا يفعل أمثالي؟ كيف يمكن المحافظة على سلام داخلي وسط الغابات القاهرة؟ هل ما زال ما يمكن متابعته من كتَّاب أعمدة، أو تحقيقات، أو أخبار فيها مقدار من الحقيقة النسبية؟ هل ما زال لدى الواحد منا صحيفة مفضلة؟ أين المفرّ من الأصدقاء الترنديين؟ من هو الصحفي، ومن هي الصحيفة، وما هي معايير صحافة النَّاس؟

#أسامة_العيسة

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق