أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 22 سبتمبر 2023

قرأت: قبلة بيت لحم الأخيرة/إبراهيم الخطيب


لم يكن من السهل على كاتب  معروف كأسامة إخراج عمل ابداعي كهذا وبكل هذه السلاسة مع تنوع الأحداث وغزارة الشخصيات. التي احتوتها. لعب فيها البطل المصري أحمد عبد العزيز القادم لنصرة أخوة له في فلسطين دورًا يكاد يكون محوريًا. لكنَّه قضى نتيجة خطأ تافه لا يحدث في جيش ونقصد به عدم معرفة كلمة السر.. ودون أن نتناسى تضحيات شخصيات أخرى ، تلونت وتقلبت أو بقيت على حالها حتى لو قطعت المحيطات إلى العالم الجديد لتنخرط في ثوراتها. أو من بقي منهم في الوطن.

 تناقض الشخصيات وسلوكياتها هو صلب العمل الدرامي الإبداعي هنا.

 كما أن التقلبات في المواقف الوطنية هو مدماك آخر، ناهيك عن انتهاك حرمة المدينة نتيجة الاحتلال والمستوطنات الصهيونية التي تبتلع الأرض وتحجب المدينة عن جارتها التاريخية القدس. إلى جانب كل هذا، يدخل نقد الأنظمة العربية ليلعب دورًا مهما في السرد. مثل نقد بقاء عبد الحكيم عامر النسونجي وزيرًا للحربية، مع أنه ذو الباع الطويل في علم الليل والنساء، ولياليه ولياليهن الحمراء..

قُبلة بيت لحم، قُبلة معنوية للتعبير عن الانقطاع بين طهر المدينة السابق قبل أسر السارد ولمدة عشرين عامًا في سجون المحتل، وما رأه ولمسه بعد خروجه. قبلة أخيرة لمجموعة من الثوريين والثوريات الذين تخلوا عن أفكارهم لصالح شركات الانجي اوز كما سماها...او لصالح حكم السلطة الفلسطينية، حيث لعب المال دورًا أساسيًا في هذا التحول.

قبلة أخيرة لانقلاب العادات وانفلاتها  وتغير المصالح والطباع لدى الكثيرين..فبعد أن كان يلقب بالنمس والخويف لدى البعض وعلى رأسهم حبيبته سميرة، أصبح الآن منبوذًا منها بسبب سجنه بعد أن ركبت الجيبات ذات الدفع الرباعي وسكنت الفلل، بل وتزوجت من صهيوني ولو أنه من جماعة السلام الآن..تحول ب (١٨٠) درجة من قبل الثورية الحمراء، قائدة المظاهرات وخطيبتها في انتفاضة الحجارة. والتي نسيت شعارها من البحر إلى النهر هي فلسطين، لتتحدث الآن عن الجندر بدل التحرير والتعايش السلمي مع الصهاينة. ومثلها كثيرون.. قبلة أخيرة للفلسطيني الذي تحول ليقتل أخيه أو يسجنه ويعذبه بعد أن كانا يسيران معًا هاتفين بالحرية للوطن والإنسان.

 إنَّها قبلة تنهي إجلال المقدسات واحترامها لتنتهك على أيدي جيش الاحتلال في المهد والأقصى والحرم الإبراهيمي في الخليل. كما تنتهك حياة المواطن كما حدث مع الشهيدة عبير وغيرها من الأطفال والشباب الذين قضوا بما سمي بالرصاص الطائش..مع انه لم يكن كذلك..

 كما لم ينس الأديب، التقاتل الفصائلي والتنافس على تبني العمليات الفدائية مثل عمليته التي تبناها أكثر من فصيل فلسطيني برغم أنها كانت عملًا فرديًا لمواطن ناقم على إجراءات الاحتلال وقمعه..ولم ينس أسامة الكاتب الواعي صاحب الايدلوجية الخاصة أن يتطرق لقضية هامة هي أن من يقدم التضحيات هم الفقراء وأبناؤهم لكن من يجني الفوائد هم أبناء الطبقات الموسرة غالبًا..ومن خلال سرديته الجذابة يتطرق لنضالات الأسرى ضد اجراءات الاحتلال التعسفية ضدهم وتضامنهم رغم اختلاف الانتماءات ثم تبعثرهم بعد ذلك كل لعند فصيله..وهكذا حدث أيضًا في الخارج فنرى اعلام الفصائل في غياب للعلم الوطني كليا.. انتقد كاتبنا الملهم استغلال السلطة للانتفاضة لمصالح شخصية لا وطنية، واحتكار فصيل للمكتسبات دون غيره. كما سلط الضوء على تواصل الأسرى مع الخارج عن طريق الكبسولات المعوية.

لم ينس أسامة شهداء بيت لحم أيا كان زمنهم وانتماءاتهم لأنهم أشرف أبناء شعبه كعبد الله تايه وإسماعيل الخطيب وغيرهما، الذين دفعوا دمهم لدفن مشروع حلف بغداد سابقًا..وكان يعود دائمًا للتركيز على سلطة أوسلو وممارساتها السلبية.

جاءت السلطة لحماية الناس لكنها وضعتهم تحت المراقبة..وتحول الكتاب عن المقاومين لنواح اخرى لا علاقة لها بالتحرير..وبدل التحرير أخذت مساحة الباقي من الوطن  بالتقلص لصالح المستوطنات.

كما تطرق في روابته الثرة والأخاذة إلى الترابط الجدلي بين ثورات العالم التحررية. ف( شفيق حنظل) التلحمي الثائر انضم لثورات أميركا اللاتينية بعد هجرته كذلك فإنه لم ينس التناقض الفكري بين المهاجرين في الغربة..حيث يتنافس ابنان من مهاجري بيت لحم أحدهما راسمالي غربي وآخر ماركسي شيوعي على منصب رئاسة جمهورية السلفادور.

 لم ينس كاتبنا تمسك المهاجرين بوطنهم رغم البعد والغربة وتمنياتهم بالعودة..ولم يغفل تجاور الشهيد المسلم والمسيحي في تضحياتهم من أجل وطن واحد لا اثر فيه لتعصب ديني أو طائفي.

أخيرًا لقد جمع أسامة كل خيوطه الكثيرة والمتشعبة باقتدار كاتب ملهم بلغة رشيقة فذة تضعه بين كبار الروائيين العرب.

 شكرًا الحبيب أسامة علي هذا التدفق الأدبي المقدر الذي يشدك كقارئ من العبارة الأولى حتى الختام، فلقد أمتعتني بحق.

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق