أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 19 ديسمبر 2021

النور يضيء ظلام البرية..!























 

حرص خضر السرياني، على إغلاق بسطته القريبة من ساحة المهد في بيت لحم، مبكرا، رغم موسم الأعياد، للحاق بمناسبة هامة، بالنسبة له، وهي الاحتفال بعيدالقديس مار سابا، في ديره، في برية القدس، الذي يعتبر أقدم دير مأهول في العالم.

يحرص السرياني، على حضور الاحتفال السنوي، في الدير الذي ما زال يستخدم رهبانه الطرق القديمة في الحياة اليومية، ولا يقتربون من الاكتشافات الحديثة كالكهرباء، حفاظا على طابع الدير الذي أسسه القديس سابا، في العصر البيزنطي، وعاش فيه نحو 5 آلاف راهب، واستمرت الحياة فيه، في العصر الإسلامي، الذي شهد انضمام العديد من مشاهير الرهبان العرب إليه، مثل يوحنا الدمشقي، الذي عاش وكتب في الدير، وخاض معارك لاهوتية، وكذلك الراهب اسطفان الرملي، والراهب ثيودور أبو قورة، وفي هذا الدير أنجزت أولى الترجمات العربية للأناجيل.

في داخل الدير، الذي يحظر على النساء الدخول إليه، بسبب تقليد قديم، بدأت الاحتفالات الدينية، بعد الثامنة مساء، برئاسة البطريرك كيريوس كيريوس ثيوفيلوس الثالث، بطريرك المدينة المقدسة وسائر أعمال فلسطين والأردن، بحضور لفيف من المطارنة والكهنة من المدن في الأراضي المقدسة كافة.

طاف المحتفلون على غرف الدير، خصوصا تلك التي تحوي جسد القديس سابا، الذي تعرض للسرقة من قبل الصليبيين، خلال الاحتلال الصليبي الأوّل لفلسطين الذي بدأ عام 1099م واستمر 88 عاما، حيث حمل إلى القسطنطينية ومن ثم إلى كنيسة القديس مرقص بإيطاليا وبتاريخ 20-11-1965م استعيد ونقل إلى الدير في احتفال مهيب، وذلك بعد الاتفاق بين البابا بولس السادس والبطريرك المسكوني لدى التقائهما في الأراضي المقدسة عام 1964.

يرفض الرهبان الاشارة الى جسد مار سابا لممدد، على أنه مومياء، احتراما وتقديرا لمؤسس الدير، الذي سكن في عدة مغر في البرية، قبل تأسيس ديره المنحوت جزء منه في الصخور.

شارك السرياني في الاحتفال الديني، واستمع إلى كلمة البطريرك، التي ألقاها الأب جورج بنورة، وشارك في عدة صلوات من بينها صلاة الخمس خبزات.

استمرت الاحتفالات في الدير طوال ساعات، حتى بعد أن أشرقت الشمس وضربت أشعتها على تلال البرية الوردية، وكان ذلك إيذانا ليظهر الرهبان المتوحدون كرمهم، فقدموا فطورا للعشرات الذين حضروا الاحتفال، أساسه السمك، وهي أكلة محببة لدى الرهبان، وفي ذهنهم معجزة المسيح في تكثر السمك.

قال شاب أتى من بلدة البعنة في الداخل المحتل: "أول مرة أشارك في هذا الاحتفال، وجئت مع آخرين من الجليل، كي نجدد الطاقة الروحية لدينا، في هذا المكان الصامت طوال العام، ويضج بالحركة في مثل هذا اليوم".

رغم بهجة الاحتفالات داخل الدير بالنسبة للمؤمنين، إلا أن الأكثر إثارة المشهد خارجه، والممتد إلى الضفة الثانية لوادي النار، المقام عليه الدير، حيث أنار الرهبان بالشموع، عشرات المغر التي قطنها أسلافهم، في زمن مضى، وأهمها مغارة القديس سابا مؤسس الدير، والذي يؤمن كثير من المؤمنين، بما يعتبرونها معجزات اجترحها، يمكن الوقوف على بعضها في ما خطه الراهب الفلسطيني كيرللس البيساني (سكيثولوليس) الذي عرف سابا شخصيا، عندما جاوز التسعين، بينما كان البساني فتى.

تعرض الدير إلى مصاعب عديدة، خلال التقلبات السياسية في فلسطين، خصوصا خلال الحرب الأهلية التي شهدتها البلاد بعد سيطرة العباسيين عليها، ومطاردتهم للأمويين.

ويحي الدير سنويا، ذكرى ما يعتبرهم شهداء من الرهبان، قضوا في تلك الأحداث البعيدة، ولكنهم يؤكدون على المآسي التي تعرض له أسلافهم، كي يظلوا متأهبين لما يواجهونه الآن، وأخر ذلك، في الثامن عشر من الشهر الماضي، عندما نصب مستوطنون مجموعة من الخيام في محيط الدير، بحماية قوات الاحتلال، ونظموا احتفالا دينيا، وعربدوا قرب مدخل الدير.

بحسب المطران عطا الله حنا، فإن ما حدث: "تطور خطير، وجزء من النشاطات الاستفزازية المرفوضة والتي تعتبر انتهاكا لقدسية وحرمة هذا المكان المقدس وطابعه الرهباني الروحاني".

ودع خضر السرياني، الدير في الثامنة صباحا، ليلحق زبائن بسطته في أحد شوارع بيت لحم العتيقة، وهو مفعم بطاقة روحية.

https://www.alhaya.ps/ar/Article/126969/%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%88%D8%B1-%D9%8A%D8%B6%D9%8A%D8%A1-%D8%B8%D9%84%D8%A7%D9%85-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D8%B1%D9%8A%D8%A9

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق