أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 2 ديسمبر 2018

كنوز بيت لحم الملونة


















تحوي كنيسة الميلاد الّلوثرية في مدينة بيت لحم، كنوزا فنية على شكل لوحات رسمت على الزجاج الملون في ألمانيا، تعود إلى عام 1893م
وتعتبر كنيسة الميلاد، من أقدم الكنائس الّلوثرية في فلسطين، وتأسست من قبل إرسالية ألمانية في عام 1854م، أمَّا الكنيسة الحالية، فبنيت خلال الفترة 1886-1893م، وتتميز هذه الكنيسة بقُبّتها غريبة الشكل، التي تحاكي (الشطوة) وهي غطاء الرأس التقليدي لنساء بيت لحم، أو ما يعرف بقبة العروس التلحمية في القرن التاسع عشر، ولكن الأكثر تميزا فيها زجاج الشبابيك الملون.
على ظهور الحمير
ولم يكن تدشين كنيسة الميلاد الّلوثرية، سهلاً، وإنما انبثقت إلى النور بعد مخاض صعب، ما بين برلين وبيت لحم، وألمانيا وفلسطين.
في عام 1991م، طُلب من المهندس الألماني اوغست اورت، المقيم في برلين أن يقدم خرائط لبناء الكنيسة الّلوثرية في بيت لحم، التي أنجز طابقها الأول عام 1878، واورت، كما يذكر الباحث اولمت نوثناجلي (Almut NOTHNgle)، كان مهندسًا شهيرًا في العاصمة الألمانية آنذاك، ويعتبر أحد الأعلام الهندسية في تلك الحقبة، وقائمة أعماله كبيرة وشهيرة.
وقدم اورت سلسة من التصاميم، وبعكس ما كان يفعله اورت في ألمانيا، وضع تصاميمه في أيدي مهندسين مقيمين في القدس هما بول بالمر وثيودر ساندل، وتم التواصل بينهما وبين اورت عبر الرسائل.
يقول اولمت: "تقدم البناء في مشروع بيت لحم في فترة قصيرة مذهلة، إذا أخذنا بعين الاعتبار أن قسمًا كبيرا من الجزء الداخلي مثل زجاج الشبابيك الملون والأرغن والمذبح والأجراس كان يجب أن تشحن من أوروبا إلى الشرق الأوسط ثم تنقل على ظهور الحمير من يافا عبر تلال القدس إلى بيت لحم".
وقدمت الإمبراطورة الألمانية اوغستا فكتوريا الكتاب المقدس الخاص بالمذبح، صدرته بخطها للآية الإنجيلية: "أَمَّا أَنْتِ يَا بَيْتَ لَحْمِ أَفْرَاتَةَ، وَأَنْتِ صَغِيرَةٌ أَنْ تَكُونِي بَيْنَ أُلُوفِ يَهُوذَا، فَمِنْكِ يَخْرُجُ لِي الَّذِي يَكُونُ مُتَسَلِّطًا عَلَى إِسْرَائِيلَ، وَمَخَارِجُهُ مُنْذُ الْقَدِيمِ، مُنْذُ أَيَّامِ الأَزَلِ". وأمّا الأرغن الذي عزف غليه في حفل التدشين فهو من صنع شركة (Sauer) في برلين، وتم شحنه إلى بيت لحم، ليصل قبل حفل التدشين، وما زال حتى الآن يستخدم داخل الكنيسة، وخضع لترميم خارج البلاد.
الشبابيك الملونة
تحتوي الكنيسة على 14 شباكا من الزجاج الملون، تحوي رسوما غاية في الروعة، وهي التي تمنح الزائر الانطباع الفريد الذي يمكن أن يكوّنه عن هذه الكنيسة.
تحوي النوافذ ذات الزجاج الملون، صورًا طول كل منها 2.9 مترا، على ارتفاع 4.35 مترا فوق الأرضية في كلا جانبي الصحن والقبا، وتتبع برنامجا لاهوتيا صمم بعمق، وتشمل الصور: ميلاد يسوع في الإسطبل، والملاك المبشر للرعاة، وسجود المجوس، ومعمودية يسوع في نهر الأردن، ويسوع ابن الثانية عشرة في الهيكل، والهروب إلى مصر، ويسوع في الجثمانية، والقيامة، والصلب، ومسح داود، والكرمة والأغصان، وكأس العهد الجديد، والراعي الصالح، ووردة شارون مع خبز الحياة، وحمل الله، وأسد يهوذا يدوس الثعبان.
يقول اولمت نوثناجلي: "إن قصة الميلاد وعلاقتها بمدينة بيت لحم، وحياة يسوع على الأرض وآلامه وموته تأخذ مكان الصدارة في برنامج توزيع الصور".
ويضيف: "إن هذه التعابير والمراجع اللاهوتية لشخص المسيح وعمله تعود كلها على مدينة بيت لحم، والنوافذ الملونة الزجاج، تصور مدينة بيت لحم الحقيقية كمسرح لتاريخ الخلاص حسب الكتاب المقدس، وفي الوقت ذاته فان الكرمة والأغصان وخبز الحياة ترمز إلى القربان الذي يحتل، إلى جانب العظة، مركز الصدارة في الفهم البروتستانتي للعبادة وجمهور المصلين".
اقترح المهندس اورت رسومات لخمسة عشر شباكا، وتم التعاقد لصنع الشبابيك، التي صممها اورت مع المعهد الملكي الشهير للرسم بالزجاج في برلين-شارلوتنبرغ، وبتاريخ 16-3-1893 اعلم برنارد، مدير المصنع، مجلس إدارة جمعية القدس التي موَّلت البناء: "لقد أنجزنا تنفيذ المهمة بأقصى سرعة وبحسب دقتنا المعتادة وذلك بحسب المقاييس التي أعطيت لنا، علها تنال رضى ذوق سيادتكم الفني، وبأرخص سعر ممكن".
في الواقع تم صنع 14 شباكا من الزجاج الملون، ولم يتم صنع الشباك الخامس عشر، بسبب ضيق الوقت، والوضع الاقتصادي. يا للخسارة..!
وتم نقل زجاج الشبابيك الملون والأرغن برًا وبحرًا من ألمانيا إلى فلسطين، واعتبر ذلك في حينه انجازا لوجستيًا مذهلاً.
وما زالت شبابيك كنيسة الميلاد، حتّى الآن، تذهل الزوار..!



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق