أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 26 فبراير 2015

ممنوعات الكتابة عن السجن..!!


عندما كنت أذرع ساحة معتقل المسكوبية بالقدس، في أوائل ثمانينات القرن المنصرم، مع (أبو العَلَم) كنت أعلم بأنني سأكتب حكايته في وقتٍ ما.


ينتمي أبو العَلَم إلى إحدى عائلات القدس العريقة التي أخذت اسمها من موطنها السابق جبل العَلَم في المغرب (أرجو ان يكون هذا الجبل ما زال موجودا باسمه هذا)، ولكنه بخلاف أفراد العائلة التي رفدت، مع عائلات أخرى الوظائف الدينية والدنيوية في القدس، أصبح أبو العَلَم، ابن ليل هامشيا.


عندما التقيته كان كهلا موجوعا، جرب معظم السجون في زمن الأردن وفي الزمن الإسرائيلي، التي دخلها لارتكابه مخالفات جنائية، ولكن في المرة الأخيرة، دخل السجن بسبب ما اعتبره عملا أثيريا، وهو اغاثته للصين طرقا بابه، فوفر لهما مأمنا في منزله، ولكن بعد القاء القبض عليهما اعترفا عليه، بينما هو ظل مصرا على الانكار..!


اكتشفت جانبا آخر في (أبو العَلَم)، عندما تعرض المسجد الأقصى إلى هجوم من ارهابي استرالي، حيث ظهرت مشاعره الوطنية، وحكاياته عن سقوط مدينة القدس في ست ساعات.


وقُدر لي، بعد سنوات اكتشاف كيف تتبدل المواقع بين المساجين الجنائيين والأسرى المقاومين، وبان الاحتلال بحمقه وتصعيد قمعه، يحشد أوسع اصطفاف ضده.


ليست فقط الكتابة عن سجين جنائي، مثل أبو العَلَم، هي فقط كانت ربما من المحظورات فيما يمكن أن نسميه أدب المعتقلات، ولكن أيضا صورة المقاوم المثالية، التي كان خدشها ولوّ بشكل بسيط، وإعادتها إلى انسانيتها، يعتبر أحد الخطوط الحمراء، المحظور التفكير بها.


بعد أكثر من 28 عاما، تمكن أبو العَلَم، من حجز مكانه  في أدب السجون من خلال روايتي (المسكوبية)، وحاولت كذلك، وهو الأهم، ربما، تقديم الأسير المقاوم باعتباره إنسانا، خارج الصورة النمطية التي قدمها الأدب الفلسطيني والعربي. في روايتي، لا وجود لشخصية الأسير الخارقة، ولكن لبشريته، بخوفه، وَضَعْفِه، وحُبه وكُرهه، وَصموده. لقد حاولت رد الاعتبار لإنسانية الأسير. في فضاء يتجاوز السجن إلى شوارع بلدة القدس القديمة وكنائسها ومساجدها، والتنوع البشري فيها، كالنوّر والأحباش واليونان والأقباط. في مدينة يقدمها الإعلام عادة بوجهٍ واحد.


استندت، وأنا أكتب عن السجن، وقدسي، فلكل واحد منّا قدسه، إلى بحث ميداني وتاريخي اعتمادا على الرواية الشفوية والمدونات الخاصة والمذكرات.


وتطرقت إلى ما عُد –فلسطينيا- محظورا في أدبيات السجون، وهو التحرش الجنسي الذي مارسه المحققون بحق الأسرى الفلسطينيين.


أبهجني ما كتبه الناقد موسى خوري، عن روايتي المسكوبية:


*نزعت سمة الشاطرية عن بطل السجون وانحازت لانسنته.


*أنارت نفق الزنازين.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق