يعتبر الوادي
الشامي، من أجمل الأودية العديدة المحيطة بمدينة بيت لحم، وتشهد بقايا المناطير
(القصور الصيفية) فيه، على مجد المدينة الزراعي السابق، واجتهاد وذكاء الفلاح
البيتلحمي، ولكنه الان خلف السياج المزدوج، على جانبي الشارع العسكري الذي شقه
المحتلون لفصل بيت لحم عن توأمها القدس.
وكل جهة من
السياج تحتوي على أكثر من شيك حديدي، وأسلاك شائكة لمنع دخول المواطنين والحيوانات
وتنقلهم في أراضيهم، بينما تظهر على يسار الوادي مستوطنة (هار حوما) التي بُنيت
على جبل أبو غنيم.
يظهر الوادي،
رغم عدم السماح لأصحابه باستخدامه والعناية به، كقطعة خضراء مزينة بأشجار الزيتون
المعمرة، بينما الكهوف الأثرية، والمناطير الزراعية المهملة، متروكة لعوامل الزمن
كي يتكفل بما فشلت فيه حتى الان اجراءات الاحتلال.
وحسب مؤرخ بيت
لحم الراحل، حنا جقمان، فان الوادي الشامي، كان من أجمل بساتين الفاكهة في فلسطين،
يقضي فيه الفلاحون نحو ستة أشهر في العام، في المناطير التي بنوها من الحجارة.
ويقول نصري
بشارة حزبون، الذي أصدر كتابا بعنوان (بيت
لحم: تاريخ واثار) بان المنطار أو القصر: "هو بناء مستدير من الحجارة ذو
طابقين، له مدخل صغير، والطابق العلوي له فتحة كبيرة للرؤية وأحيانا بداخله أو
خارجه بئر ماء محفورة في الصخر، وأمّا بعض الفلاحين فكان لهم ما يسمى بالعريشة وهي
بنيان من الحجارة المحلية يغطي سقفه، إما بشادر أو بالقش على العوارض الخشبية التي
كانت تنصب وتفك عند انتهاء الموسم، ويتبع ذلك الطابون، إذ انه عامل أساسي في حياة
الانسان في ذلك الوقت، وذلك لعمل الخبز وقد يكون الطابون لجيران عدة فيستعمل أيضا
لشواء الخضار، كالكوسا والبصل والبندورة مضافا اليها زيت الزيتون، واستعمل
الفلاحون الطابون أيضا لشي اللحوم، والدجاج والأرانب، أو ما طاب من لحم الصيد
كالغزال والشنار والفِرّ".
ويضيف:
"كان الأهلون ممن لهم كروم يخرجون لقضاء فصل الصيف في الهواء الطلق، وكانوا
يقولون: "عنصر واطلع وصلّب وادخل" أي نخرج إلى تلك الكروم بعد عيد
العنصرة في شهر حزيران، ونعود إلى البلدة بعد عيد الصليب أي في أواخر شهر تشرين أوّل،
بعد قطف الثمار كالسفرجل والزعرور والرمان، وعمل مربى السفرجل والزعرور وعصير
الرمان، ويكونوا ايضا قد قطفوا اللوز والجوز وجففوه، وذلك لصناعة حشوة البقلاوة
والمعمول في المناسبات خاصة عيدي الميلاد والفصح".
وبالإضافة إلى
ذلك، فان الوادي الشامي، اشتهر بزارعة المشمش، بأنواعه المختلفة، ووصل الوادي قمة
مجده حتى عام 1936، مع بدء الاضراب الكبير، وانعدام الأمن على شارع القدس-بيت لحم،
وتوقف دوريات شرطية على الخيول، التي كانت تُسير لحفظ الامن. بعد ان اصبحت هدفا
سهلا للثوار.
وبعد عام
1948، أصبح جزء من الوادي يقع في المنطقة الحرام، وبعد احتلال ما تبقى من فلسطين
الانتدابية في حزيران 1967، ضمت حكومة الاحتلال نحو 7 الاف دونما من اراضي بيت لحم
وبيت ساحور، وبيت جالا، إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية. من بينها الوادي الشامي.
وفي منتصف
تسعينات القرن الماضي، واصلت حكومة الاحتلال اعتداءاها على أراضي بيت لحم، وفصلت
الوادي الشامي واراض أخرى عن المدينة، بعدة طرق من بينها شق شارع اطلقت عليه
الشارع العسكري، أعلى الوادي الشامي من الجهة الجنوبية، وفي سنوات سابقة سمحت بشكل
جزئي لبعض أصحاب الأراضي بالدخول خلال موسم الزيتون إلى أراضيهم، إلا ان هذا توقف،
ليظل الوادي الشامي بزيتونه، ومناطيره، وطيوره شاهدا على جريمة احتلالية مستمرة ضد
الأرض والإنسان في هذه البلاد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق