أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 26 يناير 2024

عندما خسرت الحيوانات قضيتها أمام الإنسان!


تكتسب رسائل إخوان الصفاء وخلَّان الوفاء، مكانة في الثقافة السمعيّة العربيَّة، فيما تتضاءل تلك المكانة فعليًا في الثقافة العربيَّة. تضم الرسائل، وهي بمثابة موسوعة معرفيَّة، كتبت بلغة موجهة للقارىء العادي، ليس فقط في القرن الرابع الهجري، ولكن قارىْ الصحف المعاصر.

إذا اعتبرت الرسائل، إحدى نوادر تراثنا، وما أكثر نوادره، فإنَّ قصَّة: تداعي الحيوان على الإنسان، هي نادرة الرسائل. يمكننا وصفها بالمسرحيَّة، وإذا أردنا تجنب الانتقادات حول محددات المسرحية، يمكن وضعها ضمن الأدب التمثيلي، الذي لا أعرف حدوده تحديدًا.

من الصعب تلخيص هذه التمثيليِّة الفلسفيَّة، والسياسيَّة، والاجتماعيَّة، والدينيَّة. لكن ما يعنيني، في زمن المحاكم الدوليَّة التي ترفع رايات العدالة، الإشارة إلى أنَّها تبدأ بجنوح مركبة تقل تَّجارًا، إلى شاطيىء جزيرة بلا صاغون، الواقعة وسط البحر الأخضر مما يلي خط الاستواء! من الواضح رمزيّة الجزيرة!

يمثِّل التجار نماذج من عالم ذلك الزمان: عراقيّ، وهنديّ من سرنديب، وعبراني، وسُرياني، وعربي، ويوناني، وفارسي، وحجازي.

وصول هؤلاء إلى الجزيرة، سيغِّر مصيرها إلى الأبد. تفتن الجزيرة بخيراتها، عقول "الغزاة" الجدد، لكنَّها "ليست أرض بلا شعب" فهي مسكونة بالحيوانات، وبجهة تبدو محايدة وهي الجان.

يسيطر الإنسان على الجزيرة، ويفعل ما يفعله كل مستعمر، يستعبد جزءًا من الحيوانات، بينما تفر أحرار الحيوانات التي ترفض العبودية.

تتطور الأحداث وتعقد محكمة لمناقشة أحقيَّة الإنسان في السيطرة على الحيوانات. جلسات التشاور بين كل نوع من أنوع الحيوانات، ومقارعات المحكمة، هي مقابسات في الفلسفة والحكمة والدين والاجتماع.

يستخدم الإنسان، في المحكمة وهو الطرف الأقوى فيها، الكتب المقدَّسة من توراة وإنجيل وقرأن، لشرعنة احتلاله، وسيادته، ويتهم أحرار الحيونات الهاربة، ناكرة للعبودية، المستحقة للانسان بأوامر إلهية.

المتحدث باسم الإنسان، له نسب شريف، نوع من الشرعيَّة، يذكِّر بحرص حكام عرب معاصرون للانتساب للنبي (الحسن الثاني، عرفات، صدام، فاروق).

يقارع البغل، المتحدِّث باسم الحيوان، زعيم الانس، بمنطقه الديني، منكرًا أن يكون الخالق الذي تؤمن به الحيوانات أيضًا، خلق الحيوانات عبيدًا للإنسان.

تنتقل المقارعة، من الدينيَّة، إلى العقليَّة والمنطقيَّة، بمشاركة آخرين من طرفي النزاع، في  خطاب نقدي حواري تناظري، لا يترك أحدًا من طبقات المجتمع العباسي وفئاته، إلَّا أصابته سهام إخوان الصفاء وخلَّان الوفاء، ولكن النتيجة أنَّ المحكمة تحكم بسيادة الإنسان على الحيوان، والحجة خلود الإنسان بعد موته، هناك في العالم الآخر، حيث يتقرَّر أيضًا مصير عالمنا.

الغريب أنَّ الحيونات، تقتنع بالخضوع لغزاة الجزيرة من الانس بقناعة، ما دام التبرير دينيًا. لم تدرك أنَّ من كتب التمثيليَّة، ليسوا إلَّا من جماعة الانس وإن كانوا متقدمين على عصرهم وعصورنا، ناقدين لها، بحدة بصر، ونفاذ بصيرة، ولكن يقع للبصيرة من الوقائع ما يُعِّمشها ويُقذيها!

قرأت هذه النادرة، على الشاطيء الذي تحتله مستوطنة بيت يام (واحدة من المفاخر الصهيونية)، جنوب يافا في زمنٍ ما، مختبرًا كيف يمكن لكل من جاء إلى جزيرتنا، حمل سيفًا وكتابًا مقدسًا واستعلاءً عقليًا؛ رجل أبيض مقابل أسود.

لم أسمع أن أحدًا مسرَّح حكاية كل العصور هذه، أو فَّلمها. لا أستبعد أنَّها قد تكون مصدرًا ثقافيًا لعمل جورج اوريل مزرعة الحيوانات (المقارنة بين العملين مغرية جدًا، ولها أساس)، التي مُسرحت وفلِّمت، وشهرتها لدى العرب، لا تقارن، بجهل الثيمة الحكائيَّة العربية الأصل.

يروج إخوان الصفاء وخلَّان الوفاء، لجنَّة الخلد العَلمانية، للحيوان السوبر (الإنسان) وتتسع للطوائف والأديان والملل والنحل ما دامت أُنسية، أمَّا باقي الحيوانات فقد كتب لها، وعليها، الفناء في الآخرة، والاستعباد في دنيا الأقوياء هذه، الذين يزمزمون برطانات العدل، مسلحين بالسيوف وتأويلات القداسة.

#رسائل_إخوان_الصفاء

#جورج_أورويل

#مزرعة_الحيوانات

#أسامة_العيسة

#يافا

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق