أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 16 يناير 2024

لا تخبروا الأمهات!



عندما يضع أركادي، الشرطي الرُّوسِيّ، كيس الخَيْش الممعوس بولًا، على رأس المعتقل المشبوح في ساحة معتقل المسكوبية، قد لا تروقه نسبة شعور الأسير بالاختناق، فيضع كيسًا آخر، ليختبر بنفسه مأزق الأسير، مع الصِنَّة، وانخلاع الكتفين، مع كلبشته خلف ظهره.

في حَمّ الظَّهيرة، يتمنى الأسير، لو أنَّه اعتقل في الشِّتَاءِ، وهو يغالب رائحة الخَيْش المُصِنّ النفَّاذة، والغثيان، وعدم القدرة حتى على فتح الفم للاستفراغ. إذا اعتقل الأسير في الشتاء، لا يتعايش سريعًا مع صِنَّة الخَيْش، ولكن حواسه يشدَّها البرد الذي يرطم الجسد، وينخر العظام، فيقدحها، ويُجوِّرها، في ألمٍ غير متناه، ولا نهاية له. قد يسوء الوضع، إذا قرَّر أركادي، بتوصية المخابرات، وضعه تحت مزراب مطر القدس.

تستقر في جسد صديقي نضال عفانة، شظايا حديد، بقايا رصاصات، من الانتفاضة الأولى، اختبرت معاناته من البرد حتى في أشهر الصيف، البرد في جبال القدس، يستمر في ليالي حزيران وتموز، وفي النصف الثاني من آب، عندما يتخلق الغيم، مع عيد مار الياس.

صعدت ونضال، من حقل الرعاة في بيت ساحور، إلى بيت لحم المتلتلة على تلة، ضربَ البردُ، الحديدَ في جسده، مع وصولنا الفندق الرُّوسِيّ، في ليلة صيف.

نضال الآن في معتقل النقب، الذي يتعرض فيه الأسرى إلى أكبر حملة قمع وتعذيب منذ فترة الاحتلال الأولى، ربما فاقتها، وصلتني تحياته من مُحرَّر، يمضي نضال وقته منكمشًا، يسكن في برد الصحراء.

يتصل بنا المُحَرَّرون، لينقلوا أوضاع أحبائنا الأسرى. يقولون لنا: طبعًا لا تخبروا الأمهات، لديهم تأكد من قدرتنا الرجولية، ليس فقط على الاحتمال، وأيضا كتمان الأسرار القاتلة. لكن الأمهات يعرفن بقلوبهن.

في المرة الأخيرة، التي تحرَّر من المعتقل، وجد مشروعه الصغير في عناتا، مدمرًا. بدأ من جديد. تعوَّد نضال، في عمره القصير، البدء، دائمًا، من جديد.

نضال رجل ورد، صديق، وناشط ثقافي، وشبابي، ومشاغب، وعنيد! يغمر أصدقاءه وردًا وحنانا!

يا صديقي المنكمش، المتكوِّر، اتقاء البرد الصحراويِّ، أضفت حرامًا ثالثًا لفراشي. أشعر بالخيانة اعذرني!

#معتقل_النقب

#نضال_عفانة

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق