يتابع جورج نسطاس، العصف المتسارع بالمكان الذي نشأ فيه، وما زال يقطنه، حول دير مار الياس، على مشارف مدينة القدس المحتلة، التي تتمثل، بتجريف واسع للأراضي لإقامة بنى استيطانية جديدة، وأخرى تتعلق بأعمال البنية التحتية لسكة القطار الخفيف.
هذه الأراضي الواسعة، تابعة لمدينتي بيت لحم وبيت جالا، ضمتها سلطات الاحتلال، مبكرا بعد حزيران 1967، إلى حدود بلدية القدس الاحتلالية، ومنذ الاحتلال لم تتوقف عمليات التهويد، ومع أعمال البنى التحتية الحالية، يبدو المنزل الريفي لعائلة نسطاس، معزولا مع اقتطاع المزيد من الأرض حوله.
خلال الشهرين الماضيين، وثق نسطاس، اكتشاف قناة مياه فريدة قبالة دير الطنطور، وعلى المدخل الجنوبي لبلدة بيت صفافا.
لم يكن الكشف على القناة الساكنة في صمتها تحت الأرض، يحتاج سوى ضربة من أسنان الجرافة، حتى تتهشم، وليظهر مقطع منها.
يصل طول المقطع المكتشف، إلى نحو 50 مترا، من المتوقع أن يضيف من معلومات حول الأنظمة المائية التي زودت مدينة القدس، التي عانت دائما من شح المصادر المائية، بالمياه.
حكايات قنوات المياه التي أوصلت الماء، إلى القدس، تعبق بالأجواء، فما زالت بقاياها موجودة، تشير إلى ما يمكن وصفه المشروع الوطني للفلسطينيين، الذي بذل فيه الكثير من الجهد، والمال، والتقنيات.
نقل الماء إلى القدس، من منطقة العروب، التي تجمعت في بركة الشط فيها، عبر قنوات مياه ينابيع عديدة، وسار في قناة متعرجة في طبغرافية صعبة، بطول يصل إلى نحو 25 كم، حتى برك سليمان، جنوب بيت لحم، ثم في قناة إلى القدس، بطول يزيد عن خمسين كم.
يعيد الباحثون هذا النظام المائي المعقد، إلى العصر الروماني المبكر في فلسطين، وفي الوادي الذي تطل عليه أعمال التجريف الواسعة التي تنفذها سلطة الاحتلال، تظهر مقاطع طويلة من قناة المياه السفلية التي نقلت المياه إلى القدس، آتية من بيت لحم، وقد حطم الجدار والشوارع العسكرية جزءا منها، وعرفت في العصور الإسلامية بقناة السبيل، وهي أحدث، وان لم تكن أكثر جمالا واتقانا، من القناة المعروفة باسم القناة العليا، التي يطلق عليها المحليون قناة الكفار، لأنها تعود إلى العصر الروماني، وبينت من قساطل حجرية ضخمة. يسميها البعض قناة الخرزات، مشبهين القساطل الحجرية المثقوبة، بالخرز المثقوب.
أما المقطع الجديد المكتشف فليس له علاقة، على الأرجح بقناتي السبيل والكفار، وإنما الحديث عن قناة ثالثة مختلفة، كشف عن مقطع شبيه له خلال أعمال البنية التحتية في بيت لحم، ضمن مشروع بيت لحم ألفين.
يقول الدكتور محمد غياظة المتخصص بالآثار: "أرجح أن هذا المقطع من القناة المكتشفة، قد يعود إلى الفترة الرومانية المبكرة، لكنني لا أستطع الجزم في ذلك، لأنه يحتاج إلى دراسة ومعاينة".
أعمال الحفريات للقطار الخفيف، والبناء الاستيطاني في خربة طبالية القريبة، كشف عن مواقع أثرية، مثل محجر، يعتقد جورج نسطاس، وهو مثال وخبير في الحجر الفلسطيني، أنه أخذ منه مرابيع لبناء القساطل للقناة العليا.
ولديه، من أدلة ظرفية في الموقع، ما يؤيد فرضيته. يقول نسطاس: "الحجر الفلسطيني، ثروة قديمة، يدل على ذلك المحاجر العديدة التي تكتشف".
ويضيف: "أرى هدرا واستخداما مفرطا لهذه الثروة، آمل أن يتاح للمعنيين، فرصة للتمعن، والتفكير".
https://www.alhaya.ps/ar/Article/138712/%D9%82%D9%86%D8%A7%D8%A9-%D9%81%D8%B1%D9%8A%D8%AF%D8%A9-%D8%B9%D9%84%D9%89-%D9%85%D8%B4%D8%A7%D8%B1%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B3
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق