أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الثلاثاء، 12 ديسمبر 2017

مفتاح القدس..!









عادت القدس يوم أمس (11-12-2017م) مائة عام إلى الوراء، أو أرادوها كذلك، وظهر الجنرال آلنبي، من جديد، بعد قرن فيها..!
قبل قرن ترجل الجنرال المنتصر على العثمانيين، الذين دخلوا حربًا "مقدسة" تحت شعارات إسلامية، نصرة للقيصر الألماني، دون أن يكونوا مضطرين، وتقهقروا من القدس، التي ذاق أهلها الأمرين خلال السنوات الأخيرة من حكمهم.
سلَّم رئيس بلدية المدينة حسين الحسيني، للإنجليز في ضاحية الشيخ بدر غرب المدينة، وفضل الجنرال آلني دخول المدينة المقدسة، مشيًا من باب الخليل، ووقف على باب قلعة باب الخليل (التي سماها المسلمون والمسيحيون واليهود: قلعة أو برج داود)، وألقى خطابا أمام حشد من النَّاس والوجهاء، وأعلن فيه انتهاء الحروب الصليبية ما أزعج الحضور المسلمين والمسيحيين، وامتد النقد للجنرال المنتصر إلى العالم العربي، فنظم أحمد شوقي قصيدة عصماء جاء فيها:
يا فاتِحَ القُدسِ خَلِّ السَيفَ ناحِيَةً    لَيسَ الصَليبُ حَديداً كانَ بَل خَشَبا

ولكن موقف آلنبي أو زلة لسانه لم يمنع مثقفين من الترحيب بالاحتلال، بعد ظلمة العثمانيين التي استمرت أربعة قرون بالتمام والكمال، فأنشد اسكندر الخوري البيتجالي:
بني التايمز قد فزتم       وبالانقاظ قد جئتم
بلاد القدس شرفتم     فأهلا أينما بتم
وسيغير الخوري، الذي عانى شخصيا من العثمانيين، رأيه لاحقا، وسيعيش ليشهد احتلالات أخرى، ويرى ما تبقى من فلسطين يسقط في حزيران 1967م.
دخول آلنبي القدس، أثر في الفلسطينيين، وظهرت على هامشه تأويلات غيبية، فعندما مات حسين الحسيني، بعد فترة وجيزة، قيل أن ذلك بسبب تسليمه للقدس، وماذا كان يمكن ان يفعل سليل ارستقراطية دينية وسياسية حظيت بحماية ودعم حكام فلسطين الملوكية والعثمانية؟
بالنسبة للإسرائيليين، فان دخول آلنبي القدس، مكون في العقلية الجمعية، سعت بلدية الاحتلال على إحيائه كل فترة وأخرى بفعاليات لا تخلو من البروباغتدا التي عرف بها رئيسها الأسبق تيدي كوليك.
يوم أمس، وصل آلنبي إلى باب الخليل، مع مجموعة من الممثلين الذين ارتدوا ملابس تعود لقرن من الزمان، تمثل أزياء الضباط البريطانيين، وأفندية القدس، وفلاحيها، ورجال الدين، واليهود، ونساء الإدارة البريطانية الاستعمارية.
وتم تمثيل دخول آلنبي للقدس، وسط جمهور من المحتلين والسياح وبعض العرب وممثلي طوائف، وهذه المرة كان آلنبي أكثر لطفا، بل بدا هزليا في مشاهد عديدة، يضحك ويمازح النَّاس، ويعرض عليهم مفتاح المدينة الذي سلمه لاحقا لرئيس بلدية القدس الاحتلالية نير بركات.
أبدى آلنبي العائد لطفا كبيرًا، في عصر الثورة الرقمية، وسمح بالتقاط صورا له مع الجمهور، ولكنه لم يكن على باب قلعة باب الخليل، إلا متحدثا واحدا من بين متحدثين كثر من شخصيات ورجال دين أرادوا تذكر الاحتلال القديم، في ظل آخر احتلال للمدينة.
‏وعندما جاء دور اللحظة الحاسمة، تقدم آلنبي الجديد وقدم بطريقة مسرحية "مفتاح القدس" لبركات، ولم يكن سوى مفتاح يشبه المفاتيح التي يرفعها الفلسطينيون في فعاليات حق العودة.
غابت شمس الإمبراطورية التي لم تغب عنها الشمس ولكنها تقدم نفسها بأنها حاملة مفتاح القدس تستطيع منحه لمن تشاء حتى لو في حلم يقظة، وتتصدر المشهد الآن إمبراطورية تسعى لإطالة شمسها، وكلها ثقة بأنها منحت مفتاح القدس لمن أحبت وشاءت.
ومع اقتراب غياب شمس يوم آخر في القدس، غاب من باب الخليل الذين أثاروا الضجيج، ولم يتبق سوى بعض الأشخاص من سلالة أهالي المدينة التي يمتد عمرها طويلاً في التاريخ، لم يبالوا كثيرا بالهزليين والجديين الذين شاركوا في الاحتفال. لم يكن الأمر بالنسبة لهم سوى يوم آخر من أيام مدينة قدرية، لا يعرفون أحيانا لماذا يبدي العالم بها كل هذه الأطماع.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق