صمد دير مار
الياس، على مشارف القدس، عدة قرون، في موقعه على طريق القدس-الخليل، التاريخية،
شاهدا على التغيرات التي شهدتها المدينة المقدسة، وريف القدس، وتتابع حكومات ودول
وامبراطوريات، غيّرت في جغرافية المكان، ولكنها لم تتمكن مِن سلبه روحه. التي ما
زالت تثير الضحايا والغزاة، والرحالة، والفنانين.
أمام الدير،
ثمة مقعد حجري أبيض مميز، معظم الوقت يكون شاغرا، فبعد إغلاق القدس أمام
الفلسطينيين بشكل كامل منذ اذار 1993، لم يعد الوصول إلى دير مار الياس ممكنا، رغم
انه ارتبط بتقاليد عديدة بالنسبة لأهالي محافظة بيت لحم. وبقي المقعد الذي لا يبعد
سوى أمتار عن الشارع، لا يثير اهتماما خاصة مِن قبل أجيال جديدة تمر في الشارع،
وقد تلاحظه، وقد يثير انتباهها للحظات، سرعان ما تتلاشى، بسرعة المركبات التي
يستقلونها.
في زمن مضى،
كان هناك مَن يجلس على هذا المقعد، ويضع رجلا على رجل، متأملا في الدير الذي يشبه
قلعة، أوّ يلتفت ليتابع حركة السير على شارع القدس-الخليل، التي تكاد تقتصر الان
على الغزاة الجدد للمنطقة.
هذا المقعد،
الذي يتميز بتصميمه ولونه ونوع حجره، تبرعت به ايديث زوجة الفنان العالمي وليم
هولمان هانت، للمكان، قدمته هدية في بداية القرن العشرين، لتخلد ذكرى جلوس زوجها
فترات طويلة في المكان الفاتن، عندما قطن في القدس في منزل في شارع الأنبياء، يرسم
لوحاته الزيتية مخلدا قصص القديسين والأنبياء الذين دبّوا على هذه الأَرْض، وما أكثرهم،
ونقشت ايديث على المقعد، آيات مِن الكتاب المقدس بالعربية، والعبرية، والانجليزية
واليونانية.
ايديث هي زوجة
هانت الثانية، وشقيقة زوجته الأولى فاني، التي توفيت في أثناء الولادة، ولم يكن
مسموحا في بريطانيا الزواج من شقيقة الزوجة، فاضطر هانت وايديث إلى السفر خارج
البلاد، ليتمكنا مِن عقد قرانهما.
تعرضت أعمال
هانت الأولى إلى انتقادات مِن قبل النقاد، وصل هانت إلى الأراضي المقدسة عام
1854م، بحثا عن مواضيع للوحاته في طبوغرافية الكتاب المقدس المفترضة، رسم هانت،
الذي يظهر في صور له، بلحية حمراء، وزي فلسطيني تقليدي، مناظر ريفية فلسطينية، لا
تغيب عنها سمات الفن الاستشرافي، ولوحات مستوحاة مِن القصص الدينية.
في عام 1855،
انهى واحدة من اشهر أعماله التي اعطاها اسم (كبش الفداء) أو (الكبش الضال) وتصور
كبشا منبوذا على شواطيء البحر الميت.
من أهم لوحاته
التي لاقت شهرة في وقت لاحق هي "انتصار الأبرياء"، و"صباح مايو على
برج المجدلية"، و" معجزة النار
المقدسة"، وما زالت تثير اهتماما، في عام 1994، مثلا بيعت احدى لوحاته في دار
سوثبي للمزادات في لندن، بمبلغ 1،700،000 جنيه إسترليني.
اهتم هانت،
بالتفاصيل، والألوان الزاهية المتقنة، والرموز، وكان حريصا إضافة الى ذلك، ان تحقق
اعماله أقصى قدر من الجاذبية الشعبية
ولد هانت في 2
أبريل (نيسان) 1827، في لندن، و توفي في 7 سبتمبر (أيلول) 1910، في لندن، وبقي منه
في القدس، مقعد أبيض شاغر..!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق