أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 24 أبريل 2008

في الطريق الى تل ابيب



إستعدت صحيفة معاريف العبرية، جيدًا لذكرى إغتيال خليل الوزير العشرين، ونشرت في أوائل شهر نيسان (الجاري) ملخصًا لتقرير نشرته كاملاً لاحقًا، عن المحاولات الإسرائيلية لاغتيال الوزير (أبو جهاد). وتطرق التقرير إلى عملية خطط أبو جهاد لتنفيذها في قلب تل أبيب، تستهدف وزارة الدفاع الإسرائيلية نفسها. وأشار معد التحقيق عمير ريبروت إلى ما وصفها تفاصيل يتم الكشف عنها لأول مرة عن تلك العملية، التي أحبطتها إسرائيل في شهر أيار/ مايو 1985، وكانت السبب، على الأرجح الذي جعل إسرائيل تخطط لاغتيال أبو جهاد، والذي تم بعد ثلاثة أعوام في تونس العاصمة، اثر ثلاث محاولات اغتيال فاشلة وفقًا لمعاريف.

وعن هذا الموضوع تحدث لـ "إيلاف"، العميد يوسف الشرقاوي، أحد الذين شاركوا في الإعداد للعملية، التي لو نجحت، لشكلت اختراقًا فلسطينيًا هو الأكبر، في الصراع الطويل مع إسرائيل. وكذب الشرقاوي ما نشرته معاريف عن خرق استخباري إسرائيلي في ما يخص العملية المذكورة، مقدمًا رواية مختلفة تمامًا. وما كشف عنه الشرقاوي يختلف في تفاصيل كثيرة، عمّا ذكرته معاريف، وهي تفاصيل تنشر لأول مرة، ومن مصدر معروف، بخلاف تقرير الصحيفة الإسرائيلية، الذي اسند إلى مصادر فلسطينية وإسرائيلية مجهولة.

رجل يهجس بالبحر

ويقول الشرقاوي ان أبا جهاد كان يولي أهمية كبيرة لعمليات تنفذ داخل إسرائيل، من خلال البحر، مثلما فعل في عملية فندق سافوي في تل أبيب عام 1975، وعملية الشهيد كمال عدوان، المعروفة إعلاميا باسم عملية الشهيدة دلال المغربي في عام 1987، والتي تمكن خلالها مجموعة من الفدائيين السيطرة على حافلة اسرائيلية بعد وصولهم الى تل ابيب عبر البحر الابيض المتوسط من لبنان.

ويشير إلى أن أبا جهاد، كان خبر شاطئ يافا في صغره، وخطط لإرسال مجموعات فدائية في منطقة كان يسبح فيها، على شاطئ يافا، يسهل التسلل منها إلى تل ابيب، وهو ما حققه من خلال عملية دلال المغربي. ويقول الشرقاوي، ان أبا جهاد كان رجلا هاجسه البحر، فهو الرجل الأول المسيطر على قوات البحرية الفلسطينية، و بعد أن قتل، يروي الشرقاوي بأنه زار منزله في تونس، ورأى على الحائط صورة تجمع بين أبو جهاد والمناضل الاممي جيفارا، وعندما استفسر علم، بان الاثنين اجتازا دورة ضبط بحري في كلية تشرشال في الجزائر، وكان ذلك قبل عام 1964.

وخلال حصار طرابلس في عام 1983، فكر أبو جهاد بتنفيذ عملية في قلب تل أبيب، الهدف منها إرسال رسالة قوية إلى العالم والى اسرائيل وللشعب الفلسطيني ايضا، بأن منظمة التحرير التي تعرضت آنذاك للحصار، ما زالت موجودة وقوية ومستمرة في الكفاح. وحسب الشرقاوي، فإن أبا جهاد ابلغ اثنين بالعملية، أحدهما الشرقاوي نفسه إضافة إلى نائب في المجلس التشريعي الفلسطيني حاليا، كان يتولى مسؤوليات فيما يسمى القطاع الغربي داخل حركة فتح، وهو القسم الخاص بالارض المحتلة.

ويقول الشرقاوي "كانت الخطة، انه في أثناء خروجنا من طرابلس، بالسفن، برعاية فرنسية أن تجنح إحداها عن الخط المرسوم لها، وتقصد شواطئ الأراضي المحتلة، وتنفذ عملية يكون لها صخب إعلامي، وتبث الروح المعنوية في شعبنا، الحزين لمرأى مقاتليه وهم يغادرون طرابلس". وكان أبو جهاد متحمسًا لهذه الخطة، لان الشواطئ الفلسطينية لا تبعد عن طرابلس سوى 80 ميلاً، وهو ما يسهل العملية إلى حد كبير.

ويضيف الشرقاوي "مسألة تنفيذ عملية ضد الاحتلال، في ظل ظروف صعبة، ليست جديدة على حركة المقاومة الفلسطينية، ومثلا خلال حصار الفدائيين، في أحراش جرش وعجلون في الاردن عام 1971، خطط القائد المحاصر أبو علي اياد لتنفيذ عملية في الأراضي المحتلة، وهو ما تم بقصف منطقة بيتح تكفا بصواريخ جراد من جبال طمون". ولكن خطة أبو جهاد لم تر النور، والسبب كما يقول الشرقاوي "تمكن الإسرائيليون من اعتراض باخرة فلسطينية محملة بالدبابات والمدافع كانت متجهة إلى اليمن، والاستيلاء عليها، مما جعل أبو جهاد يغض النظر عن الخطة ويؤجلها إلى ظروف مواتية".

تدريب في بحر الجزائر

ووصل المحاصرون الذين خرجوا من طرابلس، راكبين البحر، إلى الجزائر، وكانت خطة أبو جهاد ما زالت طازجة بالنسبة إليه على الرغم من إدراكه، أنها تشكل تجاوزًا للخطوط الحمراء، في الصراع مع اسرائيل. ومسار الخطة هو الوصول الى الشاطئ الفلسطيني، ثم السيطرة على حافلة واقتحام مقر وزارة الدفاع الاسرائيلية، واخذ رهائن لمبادلتهم باسرى فلسطينيين وعرب يتم اطلاق سراحهم في الجزائر. وتم اختيار 28 شابًا فلسطينيًا، تتراوح أعمارهم ما بين 20-30 عامًا، وهم من أفراد النخبة المسماة الخدمة الخاصة، لينفذوا العملية التي خطط لها أبو جهاد، ويقول الشرقاوي "كلفني أبو جهاد بمهمة تدريب الشبان، وهو التدريب الذي استمر 14 شهرًا".

ولكن على ماذا تدرب هؤلاء الشبان وأين؟

أجاب الشرقاوي على أسئلة ايلاف، وهو ما يكشف عنه لأول مرة "أقمنا معسكرنا التدريبي على شاطئ البحر في وهران، وكان الهدف ان يتعود المتدربون على التعايش مع البحر. كانوا ينزلون إلى البحر خمس مرات في الأسبوع ويمكثون في وسطه لفترات طويلة". وكشف انه خلال التدرب توفى اثنان من المتدربين، عندما كان الجميع في البحر، وفجأة ساءت الأحوال الجوية، وارتفع الموج، وحاول الاثنان أن يمسكا بالزوارق دون جدوى، ونجا 26 من المتدربين بينما فقد الطاقم اثنين وهما حسب الشرقاوي: أبو فايز، وشحادة، وبعد ثلاثة أيام عثر على جثتيهما على بعد نحو 60 ميلا من مكان التدريب.

وحسب الشرقاوي، فإن وفاة اثنين من الطاقم ألقى بظلاله على المعسكر، خصوصًا أن احدهما وهو شحادة، كانت موكلة إليه مهمة أن يكون الدليل في تل أبيب، لانه يعرف هذه المدينة جيدًا وكان سبق له أن عمل فيها. وإضافة إلى التدريب في البحر، فان الطاقم تلقى تدريبا يصفه الشرقاوي بالقاس، وهو خاص باقتحام المدن.وعن ذلك يشرح الشرقاوي "الإنزال البحري، تكون من ثلاثة مراحل، الأولى الإبحار، والثانية النزول من البواخر، والثالثة ركوب في الزوارق الازوديك، وهي نفس تلك التي كان يستخدمها الإسرائيليون، ولدى الاقتراب من الشاطئ، يأخذون بالتجديف، ولدى وصولهم كان عليهم تخريب الزوارق ودفنها حتى لا يتم كشفها، والاستعداد لخوض أي معركة محتملة في المدينة".

ويقول الشرقاوي "القتال في المدن من اصعب أنواع القتال، بعد قتال الصحراء، لأنه يعتمد على احتلال موطئ قدم، ثم التصعيد خطوة خطوة، وخلال تدريب المجموعة، تعلموا إطلاق النار بكثافة، وكنا نعرضهم لإطلاق نار من جانب مجموعة أخرى، وتعلموا أيضًا إطلاق اكثر من 10 قذائف ار بي جي مرة واحدة، وكنت افتح قنبلة وارميها عليهم، وكان يتوجب على أي منهم إمساكها باليد وردها".

وتدربت المجموعة على اقتحام منطقة تحاكي مستوطنة إسرائيلية، وتم ذلك في منطقة في الجزائر، رفض الشرقاوي الكشف عن اسمها. وتدربت المجموعة أيضًا على السير لمسافات طويلة، وحسب الشرقاوي فانهم ساروا في احدى المرات 27 ساعة متواصلة قطعوا فيها 94 كيلومترًا، وكان الهدف من هذا التدريب، هو إمكانية سيرهم على الأقدام من الشاطئ الفلسطيني إلى الأردن، في حالة اي طارئ.

وخلال التدريب كان الجزائريون يراقبون من بعيد، ولكنهم وكما يقول الشرقاوي لم يكونوا يعلمون الهدف الذي يتم من اجله التدريب. وخلال التدريب زارهم أبو جهاد 4-5 مرات، وكان يقدم لهم تعبئة فكرية، واطلق على العملية اسم (فتح مرت من هنا)، وقال لهم إذا وقع أي منكم في الآسر فليقل لرابين بان أبا جهاد هو من بعثنا وسيبعث غيرنا.

وعلق الشرقاوي مفسرا "كان في ذهن أبو جهاد ما حدث مع الفدائي حسين فياض الذي اسر خلال عملية دلال، وقابله ديان مرتين، لذا فإن أبا جهاد كان يتوقع أن يلتقي أي من القادة الإسرائيليين بأفراد من المجموعة في حالة اسرهم، وكان معنيا بتوجيه رسالة قوية للإسرائيليين، بأنه لا يخاف منهم".

9 أيام في عنابة

في وقت ما قبل التدريب أو في أثنائه، وبينما كان الشرقاوي وفريقه يجابهون البحر، لمدة 14 شهرا في تدريب قاس منقطعين عن العالم، فان أبا جهاد ابتاع سفينتين واطلق عليهما اسمي (ايتبريوس) و(مون لايت)، وكانت تجوبان البحر، ما بين الجزائر، ومصر، ولبنان، وقبرص، لتعويد سلاح البحرية الإسرائيلية على الأمر. وبعد أن تم انتهاء التدريب، انتقل الشرقاوي وفريقه إلى عنابة إلى ظهر السفينة، ومكثوا هناك في عمليات استعدادية نحو 9 أيام، لتجهيز الطاقم والسلاح، بوجود أبو جهاد، الذي اشرف على الخطوط الأخيرة للعملية، وبقي معهم طوال تلك الفترة.

واعطى أبو جهاد، المجموعة الأوامر الأخيرة، وتدارس معهم كيفية اقتحام وزارة الدفاع الاسرائيلية، من خلال الشرح على مجسم لها تم إعداده، من خلال صور جوية، والطلب منهم العمل على اسر اكبر عدد من الضباط. يقول الشرقاوي "كان أبو جهاد واثقا من نجاح العملية بنسبة 90%، وبالنسبة إلينا فإن أهم مسالة هي النزول إلى الشاطئ، والباقي تفاصيل، حتى لو اشتبكوا مع العدو بعد نزولهم".

وحدد أبو جهاد للمجموعة التي عين الشيخ نبيل الهرش (30 عامًا) قائدًا لها، مكان النزول في جنوب يافا، في مكان كان يسبح فيه وهو صغير، كما اخبرهم، ويتميز بالهدوء، وهو المكان نفسه الذي تسللت منه مجموعة دلال. وكان أبو جهاد يريد استخلاص العبر من عملية دلال، فالمشاركون فيها، نزلوا من الباخرة على بعد 80 ميلاً عن الشاطئ الفلسطيني، ومكثوا في البحر ثلاثة أيام، قبل أن يصلوا إلى الشاطئ أخيرًا، وناموا من التعب لمدة سبع ساعات دون أن يكتشف أمرهم.

وتحركت السفينة في منتصف شهر نيسان (أبريل) عام 1985، بقيادة القبطان واسمه الأول عبد الناصر وهو من القدس، ونادر شديد الذي يصفه الشرقاوي بـ "خيرة ضباط البحرية الفلسطينية"، وكانت الباخرة على اتصال قليل مع ابي جهاد فقط، وحسب تقديرات الشرقاوي واستخلاصاته فيما بعد، فإنها وصلت على بعد 30 ميلاً من الشواطئ الفلسطينية، عندما تنبه سلاح البحرية الإسرائيلية، وطلب التعريف بها وبطاقمها، فرد هؤلاء بإطلاق النار، فما كان من الإسرائيليين إلا إطلاق 42 قذيفة أدت إلى إغراقها، ونجاة خمسة وقعوا أسرى هم: أبو العبد عفانة الذي مات مؤخرًا في ظروف يصفها الشرقاوي بالغامضة في الأردن في حادث سير، وضرار، وحسام، وأبو حفيظ، وضياء.

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/4/324285.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق