أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 13 أبريل 2008

ربيع فردان الدموي (2-2)



يعتقد ممدوح نوفل في شهادته عن عملية فردان بأن "العملية اعتمدت على عمل استخباري دقيق وأن مجموعاتها دخلت قلب بيروت بعدما هيأ لها عملاء الموساد المحليين ما يلزم من سيارات ومرشدين. وفعلاً عثرت مجموعات فتح على عددٍ من السيارات المدنية متروكة على شاطئ الأوزاعي، جنوب بيروت أحدها يحمل آثار دماء".

بعد مقابلة نوفل لأبي إياد، كما جاء في الحلقة الأولى، ومعرفة الأخير بما حدث، طلب أبو إياد من مرافقيه البحث عن أبي عمار وأبي جهاد " وبعد دقائق معدودة اتصل أبو عمار وقال: سأرسل لكم سيارة للحضور لطرفي بسرعة، وفهمنا منه أنه موجود في مكتب أبو شاكر ( إبراهيم قليلات ) قائد قوات ( المرابطون ) وأن عدة مجموعات إسرائيلية دخلت بيروت، ونجحت في اغتيال أبي يوسف النجار في منزله. بعد المكالمة الهاتفية تحرك أبو إياد، تحت حراسة مشددة، باتجاه المقر المركزي للمرابطين، الواقع في حي أبو شاكر على كورنيش المزرعة. في المقر كان قد حشد من قادة القوى والأحزاب الوطنية اللبنانية والفلسطينية يتوافدون، ويتبادلون المتوفّر من المعلومات حول ما حصل، ويجرون الاتصالات اللازمة مع الجهات المعنية في السلطة اللبنانية ".

روى نوفل للموجودين ما حدث أثناء عملية الهجوم على مقر الجبهة الديمقراطية "وسمعنا ما روي حول استشهاد أبو يوسف النجار. وأوعز أبو عمار للأجهزة الأمنية الفلسطينية بالاتصال ببيوت القادة الفلسطينيين دون استثناء، وزيارتها كلها وشدّد على زيارة البيوت التي يتعذر الاتصال الهاتفي معها. وبعد دقائق قليلة أبلغ الحاضرون باغتيال كمال عدوان، وبعدها نقل خبر استشهاد كمال ناصر وفوجئ الجميع، بأن كمال ناصر هو الوحيد الذي أتيحت له فرصة استخدام سلاحه، وأنه بالفعل أطلق النار على قاتليه الإسرائيليين، علمًا أنه كان يكره حمل السلاح، ولا يحب أن يكون معه مرافقون، وكان يعتبرهم أقرب إلى السجانين يحدّون من الحركة ويقيّدون نمط الحياة العادية".

وكانت لتلك العملية تداعياتها الأخرى، يقول نوفل "حملت قيادة م.ت.ف الحكومة اللبنانية قسطًا رئيسًا من المسؤولية عن دخول القوات الإسرائيلية قلب بيروت، ونجاحها في الوصول إلى بيوت القادة الثلاثة. ووجّهت اتهامات علنية للمكتب الثاني اللبناني وبعض رموز قيادة الجيش اللبناني، بالتواطؤ مع الإسرائيليين".

ويضيف: "ولاحقًا شيّعت بيروت القادة الثلاثة في جنازة مهيبة شارك فيها جميع قادة الأحزاب الوطنية وبعض قادة القوى والأحزاب المارونية، وكان من ضمنهم بيار الجميل زعيم حزب الكتائب. وألقى زعماء المسلمين الذين شاركوا في الجنازة خطبًا رنانة هاجموا فيها تواطؤ السلطة اللبنانية، وطعنوا في تركيب أجهزتها ومؤسساتها المدنية والأمنية، وطالبوا بإقالة الجيش. وتحدّث بعضهم عن المقاومة الفلسطينية، وكأنها جيش المسلمين في لبنان. وكانت الجنازة فرصة مهمة، استعرضت فيها قيادة م.ت.ف أسلحتها وقدراتها العسكرية والجماهيرية بطريقة أقلقت السلطات اللبنانية، ونبّهت أجهزتها الأمنية وأرعبت بعض القوى المسيحية المتزمتة التي رأت في منظمة التحرير قوة أخلت بالتوازن الداخلي لصالح المسلمين، عامة، والسنة على وجه الخصوص. ورغم علمانية الحركة الوطنية اللبنانية، وتبوّؤ كثير من المسيحيين مراكز قيادية أولى فيها، إلا أن تخوّفات الحركة السياسية المسيحية كان لها ما يبررها في بلدٍ تنخره الطائفية الدينية والسياسية".

ولم يكن ذلك كل شيء، فهناك نتائج مهمة أخرى أسفرت عنها عملية اغتيال القادة الثلاثة في فردان، فبعد هذه العملية، كما يقول نوفل "أصبحت قيادة م.ت.ف مجبرة على إبلاء وجودها في لبنان اهتمامًا استثنائيًا، وراحت تعطي مسألة حماية وجودها أهمية كبيرة، وبدأت تغرق تدريجيًا في الأوضاع اللبنانية الداخلية، ونسيت ما استخلصته من دروس تجربتها في الأردن".

ويضيف "ومع كل خطوة كانت تخطوها داخل المستنقع اللبناني، كانت تبتعد أكثر فأكثر عن عملها السياسي داخل الأراضي الفلسطينية. وحلّ دون قرار، شعار الدفاع عن الوجود الفلسطيني المدني والمسلح في لبنان، مكان شعار تصعيد ونقل الكفاح المسلح إلى داخل الأراضي المحتلة. وراحت تعزز تسليح المخيمات الفلسطينية، وشجّعت القوى الوطنية اللبنانية للتدرّب على السلاح وبناء تشكيلات عسكرية خاصة بها. وعملت على تجنيد أعداد كبيرة من الشباب الوطني اللبناني، وبدأت تتدخل مباشرة في الشؤون السياسية والحزبية والاجتماعية اللبنانية. وبقي احتلال إسرائيل عام 1967 لكلّ فلسطين ولأجزاء واسعة من الأراضي العربية السورية والمصرية قائمًا وتقلصت كلفته".

وقبل أن يتحدث نوفل بسنوات، كان الزعيم الفلسطيني صلاح خلف (أبو إياد) قدّم شهادته عمّا حدث في ربيع فردان، في كتابه فلسطيني بلا هوية، وربط ذلك بالأجواء التي أعقبت عملية ميونخ، حيث تواصلت حرب الأشباح بين المخابرات الإسرائيلية والفلسطينيين، وبدأت كما هو معلوم بالاغتيالات وإرسال الطرود الملغومة، والتي طالت مسؤولين فلسطينيين في مختلف العواصم العربية والعالمية، وبالرد الفلسطيني بتنفيذ عمليات ناجحة طالت رجال للموساد في عواصم مختلفة أيضًا، ومن بين ما نفذه الفلسطينيون محاولتان استهدفتا مقر سفير إسرائيل في نيقوسيا، والأخرى ضد طائرة تابعة لشركة العال الإسرائيلية كانت جاثمة في مطار قبرص، كان ذلك في التاسع من نيسان (أبريل) 1973، وفي اليوم التالي كانت وحدات الكوماندوز الإسرائيلي تنزل إلى بيروت وتغتال القادة الثلاثة.

وروى أبو إياد عن علاقته الوثيقة بكمال ناصر، وكيف انه كان في مرات كثيرة يقضي الليل عنده في شقته، وأشار إلى أنه قبل العملية بعشرة أيام، وكان هو وياسر عرفات وآخرون في شقة كمال ناصر، استرعى انتباهه عدم وجود حراسة وتحدّث بين الجد والهزل، عن احتمال أن تحطّ طائرة عمودية في الأرض الخلاء مقابل المبنى وتختطف القادة الثلاثة.

وفي التاسع من نيسان (أبريل)، كان المجلس المركزي لمنظمة التحرير الفلسطينية يعقد جلسة له في بيروت وطالت حتى ساعة متأخرة من الليل، وقضى أبو إياد ليلته في شقة كمال ناصر، وفي اليوم التالي عرض أبو إياد على كمال ناصر أن يقضي السهرة في شقته ولكن كمال ناصر أجابه مازحًا: "أفضّل أن أموت على أن أستقبلك عندي"، وأوضح أنه يريد أن ينظّم مرثاة في الشاعر عيسى نخلة المتوفى حديثًا، وأن وجود أبو إياد سيلهيه عن تلك المهمة.

وذهب أبو إياد ليلتقي الناجين الثلاثة من عملية ميونخ الذين أطلقت السلطات الألمانية سراحهم، بعد عملية اختطاف لطائرة ألمانية، والموجودين في مبنى لا يبعد سوى عشرة أمتار عن مبنى الجبهة الديمقراطية، حيث وجد شباب هذا التنظيم مستنفرين بسبب هجومٍ سيشن عليهم من الجبهة الشعبية بقيادة جورج حبش، ورواية أبو إياد هنا تختلف مع رواية نوفل الذي تحدث عن هجوم متوقع من جبهة احمد جبربل، و إن كان مغزى الحدث واحدًا.

وبعد ساعات كانت وحدات الكوماندوز الإسرائيلية تنفّذ مهمتها، انتقل أبو إياد إلى منزل عرفات، الذي قصف في العملية وكان الحراس قد قاوموا المعتدين، وتابع عرفات المعركة من سطح المبنى.

وذهب أبو إياد، كما يروي، إلى المبنى الذي كان يقطنه القادة الثلاثة بعد ورود الأنباء عن اغتيالهم، وفي شقة كمال ناصر، وجده ممدّدًا على شكل صليب على الأرض بعد إصابته في وجهه بخمس عشر رصاصة على الأقل، ويعتقد أن المهاجمين لم يغفلوا عن حقيقة أن ناصر مسيحي الديانة، فمدّدوه على شكل صليب وأطلقوا النار على وجهه، ورش المهاجمون برصاصهم سريره والسرير الذي كان يأوي إليه أبو إياد في أحايين كثيرة.

ولاحظ أبو إياد أن شباك النافذة كان مفتوحًا والستائر منتزعة، الأمر الذي ربما يشير إلى أن ناصر كان حاول الفرار، ولم يتمكن من ذلك، فردّ على المهاجمين بمسدس صغير وجد بجانب جثته.

وبالنسبة إلى أبي يوسف النجار، اتضح بأن الإسرائيليين نسفوا مدخل شقته بقنبلة بلاستيكية، بينما كان قد خلد للنوم مبكرًا كما يحب، والأولاد يذاكرون دروسهم في غرفهم، وعندما تم نسف المدخل اندفع باتجاهه ابن الشهيد يوسف وكان عمره 16 عامًا، ولكن الكوماندوز المهاجمين صرخوا به سائلين عن والده، فرجع يوسف إلى غرفته ونزل من شباكها إلى الطابق الخامس، وخلال ذلك أغلق أبو يوسف النجار باب الغرفة التي يوجد فيها وطلب من زوجته أن تناوله مسدسه، و لكن الإسرائيليين اقتحموا الغرفة وأصابوه، وحاولت زوجته حمايته ووضعت نفسها بينه وبين المعتدين فتم قتل الزوجين معًا.

وفي الطابق الثاني كانت مجموعة أخرى تقتحم شقة كمال عدوان الذي كان ما زال يعمل وعندما سمع بالجلبة أمام الباب أمسك برشاشه، وقبل أن تتاح له فرصة استخدامه كانت مجموعة أخرى من الكوماندوز الإسرائيليين يدخلون من نافذة المطبخ ويصيبونه في ظهره.

واتهم أبو إياد شركاء محليين للإسرائيليين بالتواطؤ وتسهيل عملية الاغتيال، وأكد أن الجيش اللبناني والدرك والأمن العام لم يحاولوا التدخل، وقبيل الهجوم على المبنى في فردان ببضع دقائق حدث انقطاع في التيار الكهربائي وكان المهاجمون يتنقلون في بيروت بحرية ويسر مذهلتين وكذلك في الجنوب حيث شنت هجمات أخرى.

وما لبث التواطؤ الذي تحدّث عنه أبو أياد من أطراف لبنانية، أن أصبح تحالفًا علنيًا كان طرفه الأساسي وموجّهه وراعيه هي إسرائيل خلال تلك الحرب اللبنانية الطويلة والتي أسموها، بقدر من التضليل حربًا أهلية.

وفي ظروف مغايرة، اغتيل أبو اياد، ولم يعش ليشهد توقيع إعلان المبادئ بين منظمة التحرير وإسرائيل المسمى اتفاق أوسلو، وخلال وبعد تطبيق هذا الاتفاق، نسجت علاقات بين "أبطال" فردان الإسرائيليين مثل شاحاك وياسر عرفات شخصيا، الذي كان يحلو له وصف شاحاك بالصديق، ويلتقيه بشكل دوري.

أما ايهود باراك، رئيس الوزراء الإسرائيلي، عشية اندلاع انتفاضة الأقصى، فلم تنته مهمته بعد ربيع فردان، وانيط به إحباط عملية قادتها الفدائية الفلسطينية دلال المغربي انتقامًا لاغتيال القادة الثلاثة في فردان.

وكان ذلك يوم 11 آذار (مارس) 1978، عندما تمكنت دلال من قيادة مجموعة تسللت إلى الساحل الفلسطيني، بواسطة قاربين مطاطين، وخطف حافلة ركاب إسرائيلية، في عملية حملت اسم الشهيد كمال عدوان، وتمكن باراك من قتلها وظهر في صورة وهو يشد شعرها.

وظهر باراك وشريكه شاحاك، في عمليات اغتيال نوعية أخرى، اشهرها واكثرها تعقيدًا إغتيال خليل الوزير (أبو جهاد) في تونس العاصمة 16 أبريل (نيسان) 1988، في ذكرى عملية فردان. 

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2008/4/321162.htm

هناك تعليق واحد: