من يومية 15/5/2020:
اِستوقفتني فقرة من
رسالة إِرنست همينغوي لأسرته، كتبها بتاريخ 18 أكتوبر 1918 من ميلانو، يخاطب فيها
والده، وأجواء الحرب الكونية الأُولى ما زالت مخيمة. هذا الفهم من اِبن، لما
يعانيه الآباء، من ألمٍ يتجاوز الحدود، والطبقات، والضفاف الَّتي يتمترس عليها
المتحاربون، بدا غريبًا أن يصدر عن شاب مندفع نزق: "..فكّر في آلاف الفتيان الآخرين
الَّذين ضحوا. الأبطال كلهم موتى. والأبطال الحَقيقيُّون هم الآباء. الموت شيء
بسيط جدًا وقد ألقيت نظرة على الموت وأعرفه حقًا. لو كان ينبغي أن أموت لكان الأمر
سهلًا جدًا بِالنِّسبَة لي. أسهل شيء قمت به على الإِطلاق. لكنَّ النَّاس في الوطن
لا يدركون ذلك. إِنَّهم يعانون أكثر ألف مرَّة. حين تجلب أُمّ اِبنًا إِلى العالم
تعرف أنَّ الاِبن سيموت ذات يوم، وأُمّ الرجل الَّذي مات من أجل وطنه ينبغي أن
تكون أكثر النَّاس فخرًا في العالم، وأسعدهم. والآن الموت أفضل بكثير في فترة
السعادة، فترة الشباب عبر المحيط، الرحيل في بريق النور، من تهالك الجسم والشيخوخة
وتحطّم الأوهام".
الموقف من الموت
والخوف منه، أمر نسبيِّ إِلى حدٍ كبير. خلال الحصار والاِجتياح في الاِنتفاضة الثَّانية،
لم يكن الموت، بِالنِّسبَة لكثير من الشباب، هو المهم، ولكنَّ الأهم، هو العثور
على جثثهم ودفنهم، وفي مناطقٍ كثيرة، شهدتُ كيف يذهب المزيد من الشُبَّان إِلى
موتهم، طائعين، مختارين، نزقين، لم يفكروا، وهم يقدمون، على هذا الشيء البسيط جدًا،
حسب همينغوي، في الآباء والأمهات، وأرادوا جعلهم فخورين. أي فخر في الموت؟ الموت
في فلسطين يفقد هيبته، ومن الصعب الآن النظر إِليه، بالرومانسيَّة الَّتي عاشها الشُبَّان.
الآن لم يعد للموت أيَّ هيبة، على خريطة دويلات العروبة.
بعد سنوات طويلة، سيفجّر هيمنحواي دماغه. لعله لم
يقبل بـ:"تهالك الجسم والشيخوخة وتحطم الأوهام". درس فهمه مبكرًا.
# زريفة_سباهية
#مجازر_الساحل
#إرنست_همينغوي
#يوميات_السجن_والسرطان_والكورونا
#أسامة_العيسة
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق