جريدة الأيَّام الفلسطينية
تنشر فصلًا من رواية "سماء القدس السابعة"
على الجبل الذي توقَّع أن
يتحوَّل إلى أكبر مقبرة في العالم، بعد أن اشتُهر باعتباره المكان الذي وجدتْ فيه
الحَمامةُ غصنَ الزيتون، وأسرعت تحمله إلى النبي نوح التائه في اللُّجَّة، وحاول
العمُّ كوكو حمله إلى القُدْس، التي عرفها، من خلال حماماته المنقوشة على المنازل
التي صمَّمها، ومات قبل أن يعرف أيَّ مصير ينتظر مدينته.
سمحت السلطات لبضعة أفراد
من العائلة، بالمشاركة في الدفن، وحرص عمِّي على تقديم اسمي للسلطات، ضمن القائمة
القصيرة التي ستُشارك في الدفن. صَعِدْنا إلى سور القُدْس الشرقيِّ، وكانت المقبرة
مُطوَّقة بعددٍ كبيرٍ من الجنود، الذين أخفوا وجوههم بسِناج أسود، دهنوه عليها،
وكأنهم يخوضون حرباً بعيدة عن هذا المكان الذي يسكنه الأموات، أو ينتظرون عدوَّاً،
سيُباغتهم من خلف بحار، كما حدث للمسلمين في الحروب الصليبيَّة، ففي وادي جهنَّم
أسفلنا تجمَّعت جحافل الصليبيِّين، وبَنَتِ الجسور، لتصل إلى سورٍ غير هذا السُّور
العثمانيِّ، وتقتحم المدينة، وتسيل دماء سكَّانها، لتُوغِل به أقدام أحصنتهم. كيف
سبحت الأحصنة في دماء سكَّان المدينة؟ صورة لفروسيَّة القرون الوسطى أم لإرهاب
فرسانها؟ الفروسيَّة والإرهاب تحتاجان، كلاهما، لدماء سكَّان القُدْس، لتزكيتهما
في سجلِّ حكايات الناس.
القمر الذي ظهر بدراً في
سماء القُدْس تلك الليلة، كشف عن وجود الكثير من الجنود، الذين بدوا كأصنامٍ لا
تتحرَّك، وُضِعَ كلٌّ منها في موقعه، كتمائم في مواجهة انتقام سكَّان القبور الذين
قد لا يروقهم كلُّ هذا التدنيس لصمتهم الليليِّ، ولتراب أرضهم الذي يُرجَّح أنه
ليس سوى رفاتهم المتآكل على مرِّ قرون من استقبال الجثامين المتعدِّدة والمختلفة،
من جثامين الأولياء ورجال الله الصالحين، إلى رجال الأوطان المقاتلين، والأطفال
المغدورين مثل صديقي موسى.
اقشعرَّ بدني، عندما جيء
بوالدي محمولاً على بساط الرحمة في رحلته الأخيرة نحو رحمته تعالى، ولكنه ليس
كأيِّ بساط رحمة، وإنما حمَّالة يحملها جنود، يحرسهم جنود، ويحيط بنا وبهم جنود،
وبينهم ضابط بلباسٍ مدنيٍّ، عرفتُ أنه من المخابرات. تمعَّنتُ في الحمَّالة، هل
سُجِّي عليها نفس الشَّخص الذي كنتُ وإيَّاه نقف على الشارع، أسفل هذه التلَّة
ونطلُّ على الوادي يحكي وأنا أسأل، ونعتقد أن الدنيا لن تنتهي حتَّى نُنهي
الحكايات التي سيحكيها لي؟ هل يشعر بي مثلما أشعر به؟ ما هي الحكاية الأخيرة التي
أحبَّ أن يحكيَها لي ولن يتمكَّن بعد الآن من حكايتها؟
لمواصلة القراءة:
https://www.al-ayyam.ps/ar_page.php?id=1614c23dy370459197Y1614c23d
#سماء_القدس_السابعة
#أسامة_العيسة
#منشورات_المتوسط
#معا_لنحارب_طواحين_الهواء
#نحن_نظرة
#صحيفة_الأيّام
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق