تحجرت المآقي، ولم يعد لديَّ،
مع بلوغ شمسي رأس الحائط، مثل الفيسبوكيين، دموع تماسيح فائضة، للتأسي على شباب
الظل، ضحايا وطن، قبل أن يكونوا ضحايا احتلال.
لا أعرف ما هو عدد جنازات
الشهداء التي سرت بها. في أرشيفي الذي لم أعد أغذيه بعد تراجع الثقافة الورقية،
ملف متضحم، كما يمكن أن تتوقعون، إذا توقعتم، يحمل اسم: متى سيعرف الوطن كم أحبه
الشهداء؟ ولكن الوطن الفلسطينيِّ لا يحب الشهداء. يحتاج الوطن، بناسه ومنظماته
الدينيَّة والسياسيَّة والعشائريَّة والمكسبيَّة والثقافيَّة وتراتبية الفصائل، لقرابين
تُقدَّم. وليس أنسب من شباب الظل، الذين يشتبكون مع الوطن، عندما تقل حدة المواجهة
مع المحتل.
في انتفاضة 2015، التي
سميتها آخر الانتفاضات داومت على نقاط التماس، كنت أريد أن أعرف بماذا يفكر الشباب
والفتية المتروكين من الكبار، الذي ينتظرون استشهاد أحدهم، ليصدروا بيانًا،
ويطلقون الألسنة على الفيس بوك. سعدت عندما استجاب صديقي الباحث لطلبي فأرسل بحثه
الذي درس فيه أسباب "الهبَّات". لم أفهم شيئًا وصعقت عندما وجدت
اقتباساته في تحليل الهبَّات من مفكري ومحللي المرحلة، أمثال:.... كيف حللوا؟ من
مكاتبهم. كلام مفرنع، أعرف، وأنا لست مفكرًا، أن أزوق أفضل منهم. كم يتلقون لعملهم
التحليلي؟ هل يذهب جزء من دخلهم لصالح شباب الظل، كي لا يظلوا في الظل؟ إذا كان لا
بد من التضحية، فلنضحي جميعًا. أية مراكز أبحاث يديرون؟ ومن يموِّل؟ ومن يستفد؟
لماذا فقط شباب الظل عليهم
أن يستشهدوا؟ ماذا عن المحللين السياسيين والعسكريين، والرؤساء، والأطباء،
والمحامين، والأدباء، والصحفيين، وأعضاء المكاتب السياسية، ورؤساء البلديات،
وإدارات الانجي أوز، ولجان المرأة، ومنظمات حقوق الانسان. لماذا لا يستشهد أحد
منهم. لأي هدف يذخرهم الوطن الفلسطينيِّ؟
ما يُعبَّر عنه عن جنين،
على كوكب الفيس، وفي الإعلام، دموع تماسيح، لا يرتقي حتى لشبه اعتذار نحو شباب الظل
المتروكين، لمعادلات الصراع الإقليمي، وحاجة الوطن لقرابين يُضحى بها.
شباب الظل، الذين يصبحون
فريسة سهلة للاعب إقليمي، وهو ايران هذه المرَّة، هم ضحية أزمات متعددة، وطنيَّة،
واجتماعيَّة، وتعليميَّة (المنظومة التعليمية دمرت وليس مهم من هو المتسبب، وتلقوا
النتائج بعد خمس سنوات)، وطبقيَّة، وعنصرية (في حالة مخيم جنين مثلًا)، واقتصادية.
الوطن لا يفكر بمحاولة فهمها، وليس حلها.
الأسهل، شتم العرب المسلمين
وحكامهم، وتحميلهم مسؤوليات. نفس المنهج التبريري ذاته منذ المغفور له سيف الدين
الحاج أمين حتى رؤساء الشهداء، ففي الشهادة في فلسطين، تراتبية صلبة.
لا علاقة لما يجري في
الأراضي المحتلة بأيَّة مفاهيم تتعلق بالمقاومة، التي عندما تنطلق، تتسلح ببرامج
متعددة، وقيادة تكر وتفر. هي جرائم احتلالية مستمرة، تستهدف شاب الظل، الذين
يولدون وينمون ويموتون بدون خيارات!
تخيلوا عنوان برنامج الحصاد
في قناة الجزيرة كما يظهر على اليوتيوب: "عملية إسرائيلية واسعة في جنين
والفصائل الفلسطينية تحذر وتتوعد". صحافة روغ الثعالب. إنَّها جريمة من طرف
واحد، عن أية فصائل تتحدثون؟
لترفع دولة الاحتلال يدها عن مخيم جنين، يا له
من شعار، ولترفع إيران يدها أيضًا. أهم مشروع في مخيم جنين، هو مسرح الحرية، أسسته
إسرائيلية، مكَّن كثيرون وكثيرات، من الخروج من عنق زجاجة الظل، ومنهم/هن من يقف
الآن على من مسارح عالمية. كم مسرح ومدرسة، وجامعة، ومستشفى، دعمت إيران.
اليوم دموع تماسيح، وغدًا
يوم آخر، يستفتح بالبدل الرسمية، ورصاص الأعراس، وفساد الأبناء، والسفر بالفي أي
بي، وباحثي المال والتفاهة، والرحلات إلى عواصم العالم، والاستجمام على شواطيء
اللازورد.
ارموا السلاح يا شباب الظل،
وإذا فكرتم أن تحملوه، فوجههوه إلى صدورنا! نحن أعداؤكم، ومن تخلينا، وسنتخلى
عنكم.
كونوا أذكى قليلًا! السلاح
ليس ثقافة، ولا يجب أن يكون كذلك.
**
قيل لأعرابي: كيف أصبحتَ؟
قال أصبحتُ بين حاذق وقاذف،
وبين ستُّوقٍ وزائف.
مولانا أبو حيان في (الصداقة
والصديق)
#جنين
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق