أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 1 أبريل 2019

أعلن نصره الأخلاقي ومضى..!



لم يكن أمام الشاب ساجد عبد الحكيم مزهر (18) عامًا، عندما علم باقتحام قوات الاحتلال لمخيم الدهيشة، قرب بيت لحم، صباح اليوم، إلا تلبية نداء الواجب، كما هي عادته كمسعف متطوع في الإغاثة الطبية الفلسطينية، فخرج من منزله إلى شوارع المخيم، التي شهدت مواجهات بين قوات الاحتلال وفتية الحجارة، الذي كان ساجد قبل سنوات واحدا منهم.
اقتحمت قوات الاحتلال حارة الولجية في مخيم الدهيشة، بمركبة مدنية، نزل منها الجنود أمام منزل عائلة عيسى معالي، واقتحموا المنزل، لاعتقال الشاب جهاد معالي، المطارد لقوات الاحتلال منذ عامين، والذي فشلت قوات الاحتلال باعتقاله أكثر من مرة، وأصيب العام الماضي، برصاص قوات الاحتلال الخاصة.
وفي هذه المرة، فشلوا أيضا باعتقال جهاد، فاعتقلوا شقيقه معاب معالي، كرهينة حتى يسلم معالي نفسه، وهددوا باتخاذ المزيد من الإجراءات إذا لم يسلم جهاد نفسه.

أدى اقتحام قوات الاحتلال للمخيم، ودهم منزل معالي، إلى اندلاع مواجهات بين فتية المخيم، والمقتحمين، وفي هذه الأثناء نشط ساجد مزهر، لأنه يعلم أكثر من غيره، أهمية تقديم الإسعاف الأولي للجريح، وربما يؤدي التدخل الطبي السريع إلى إنقاذ أرواح فتية جرحى، خلال نقلهم إلى المشافي.
قبل ثمانية شهور كان الجريح الذي أصيب برصاص الاحتلال أمام المخيم على شارع القدس-الخليل، صديقه وابن عمه الفتى أركان ثائر مزهر، الذي قتله الجنود خلال انسحابهم من المخيم، وصباح اليوم، أصبح ساجد هو الجريح، بعد إطلاق عليه النار، فأصيب في بطنه بعيار من نوع دمدم المتفجر، وأصيب ثلاثة آخرون، بجروح متفاوتة.
نقل ساجد الذي خرج ليسعف الجرحى، ليصبح هو نفسه جريحا، إلى المستشفى، وقدم له العلاج، وظهر وهو على سرير المرض، كشخص بمعنويات مرتفعة، فرفع بيده اليمنى شارة النصر، معلنا انتصاره الأخلاقي على القتلة الذين فتحوا النار على شخص ميّز نفسه كمسعف، يؤدي مهمة إنسانية، مع ساعات الصباح الأولى، وذهاب الطلبة والعمّال والموظفين إلى أعمالهم.
في المستشفى، أحاط أقرباء الشهيد، بالسرير الذي شهد نومته الأخيرة، وفي أجواء مؤثرة، وضع والده عبد الحكيم، مصحفا صغيرا على جسده، محاولا منع دموعه من النزول، ولكن عينيه خانتاه، فيعود للتماسك من جديد، بما يليق بمناضل أمضى عدة سنوات في السجون.
ساجد هو حفيد المناضل حلمي مزهر، الذي كان من أوائل الذين اعتقلوا في سجون الاحتلال، بعد حزيران 1967م، ونفي، وعاد بعد تأسيس السلطة الوطنية، وكان عليه أن يتلقى، وهو يعاني من المرض، قبل ثمانية شهور صدمة استشهاد حفيده أركان، وها هو يتلقى خبر استشهاد حفيده ساجد.
أخر نشاط عام، ظهر فيه ساجد، كان خلال مشاركته في ماراثون فلسطين في بيت لحم، الأسبوع الماضي، كمتطوع، ضمن فريق متطوعي الإغاثة الطبية، لمساعدة المشاركين في الماراثون، والتدخل لدى أي طاريء.
ذكر زميله علاء قراقع، بان الإغاثة الطبية الفلسطينية دربت، وخرجت فوجا من المسعفين المتطوعين باسم وإهداء لروح الشهيدة رزان النجار من غزة، وقال: "أصر ساجد مزهر على الالتحاق بالدورة، لشعوره بالواجب نحو قضيته وأبناء مخيمه، لقد تخرج الشهيد ساجد مزهر من فوج الشهيدة رزان النجار ليلتحق بها زميلا وشهيدا في ميدان التضحية والفداء".
ونعت مديرية التربية والتعليم العالي/ بيت لحم، الشهيد ساجد أحد طلبة الثانوية العامة في مدرسة السالزيان الصناعية، وقال المعلم صليبا الطويل، بأنه عرف الشهيد طالبا خلوقا معطاء مشاركا عطوفا محبوبا، من قبل المعلمين والأصدقاء.
وأضاف: "بعد شهرين كان موعد تخرجه، ولكن رصاصة الغدر كانت أسرع".
ونعت الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين، وحركة فتح، ولجنة التنسيق الفصائلي، الشهيد ساجد، الذي ارتقى خلال قيامه بواجبه الوطني كمسعف.
وأغلقت بلدية بيت لحم أبوابها، حدادا على: "روح شهيد الواجب الوطني والإنساني"، فيما عم الإضراب الشامل شوارع المدينة وضواحيها.
عاد ساجد، إلى مخيم الدهيشة، ليس كما خرج منه، ولكن شهيدًا، في مسيرة مهيبة، انطلقت من مستشفى بيت جالا الحكومي، عبر شارع القدس-الخليل، وبعد صلاة العصر، انطلق المشيعون في جنازة مهيبة، لمواراة الشهيد الثرى في مقبرة الشهداء.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق