تزهو ماريان، التي
تقود زوار المتحف الروسي في أريحا، بجولات في أرجائه، بهذا الصرح الذي لا يتميز
فقط ببنائه الذي يشبه في بعض واجهاته البيت الأبيض الأميركي في واشنطن، ولكن أيضا
بالأسلوب المتطور لعرض موجوداته.
درست ماريان التاريخ،
وتعتبر نفسها سفيرة بلادها إلى البلاد المقدسة، عبر المتحف الذي يضم ما عُثر عليه
في الحفريات التي أُجريت في موقع المتحف، المبني على أرض يُطلق عليها (أرض
يواساف)، والتي امتلكتها الدولة الروسية عام 1883م.
الهياكل المعمارية
البيزنطية في الموقع حُددت عام 1883، وفي عام 1891، أجرت البعثة الأثرية الروسية
حفريات بقيادة العالم الروسي كونداكوف المتخصص في الفترة البيزنطية.
وفي عام 2010، كشفت
الحفريات المشتركة بين دائرة الآثار والتراث الثقافي في وزارة السياحة الفلسطينية،
ومعهد علم الآثار في أكاديمية العلوم في روسيا الاتحادية، عن آثارٍ مهمة، لعل
أبرزها، ارضية فسيفسائية، تم نقلها إلى داخل المتحف. حيث يمكن للزوار معاينتها
ورؤية صورة أعدها مختصون تبين الشكل المفترض الذي كانت عليه.
تم تكوين أشكال لوحة
الفسيفساء، بدوائر وزخارف متداخلة ومتشابكة، تقلد المرمر الملون ونبات تتداعى في
نظام الرموز الدينية، مع تمنيات بالرفاهية، إضافة إلى ورود وزهرة الرمان. تظهر من
المزهرية كرمة تحمل عناقيد العنب في احالة إلىالقربان المقدس ورمزيته، وهو امر
واسع الانتشار في ثقافة الشعب الفلسطيني.
المكعبات الحجرية
الملونة، والزخارف الاحتفالية تحيل إلى ثقافة العهدين الروماني والبيزنطي، وتكشف
عن جوانب من الحضارة في الولايات الشرقية السابقة للإمبراطورية البيزنطية.
تتألف اللوحة
الفسيفسائية الملونة، من مكعبات حجرية من سبعة إلى ثمانية ألوان. ووضع في كل
سنتمتر مربع 115 مكعبا ما يعني ان اللوحة التي مساحتها نحو 13 مترا مربعا فيها
زهاء 150 ألف مكعب.
في الموقع الذي نُقلت
منه هذه اللوحة إلى داخل المتحف، يمكن رؤية بقايا البنايات البيزنطية من القرن
الخامس حتى السابع الميلادي. أما المتحف فيستند على أمرين: عرض نحو 300 قطعة تم
الكشف عنها في الموقع وتعود للفترة من القرن الأوّل قبل الميلاد حتى القرن الثامن
عشر بعد الميلاد، إضافة إلى التعاون مع المتحف الروسي الشهير (الارميتاج) وذلك
بعرض صور عن الوجود الروسي في الأرض المقدسة، وعرض نسخ متقنة عن قطع فنية بعضها
عثر عليها في الشرق العربي.
وتعرض في المتحف،
مجموعة من النقد النحاسي البيزنطي تعود للقرنين الخامس والسادس الميلاديين،
ومصابيح فخارية من النصف الثاني من القرن الخامس إلى النصف الأوّل من القرن السابع
تحمل رموزا مسيحية ويهودية وإسلامية، إضافة إلى اناء
كنسي من البرونز يعود للفترة المتأخرة من القرن السابع، مكون من مصباح ومبخرة
استخدمتا في القداس المسيحي، ويتميز المصباح البرونزي المخرم بزخارفه، وهذه
المصابيح كانت بنوعين المعلقة والمحمولة.
ويمكن لزائر المتحف
معاينة أثقال معيارية برونزية، كانت تستخدم من قبل رئيس السوق لاختبار سلامة أوزان
التجار، ما يدل على ان السوق المالية والتجارية كانت نشطة في آخر قرنين لأريحا
البيزنطية.
ومن المعروضات ايضا،
اوعية وأباريق فخارية وبقايا بانيو للأطفال، وكراميكا وزجاج، وأوان وهواوين ومطاحن
يدوية، وقطع نقدية اموية ومملوكية وعثمانية.
وفي المتحف ركن،
لمقطع من قناة مياه تم اكتشافها في قطعة الأرض خارج مبنى المتحف، وتعود للعصر
البيزنطي، وطول المقطع المكتشف 16 مترا، عُثر بداخلها على مصفاة حجرية، هي عبارة
عن تحفة هندسية على شكل صفيحة حجرية فيها ثقوب تسمح للماء بالمرور دون شوائب مع
العلم انه يمكن رفع المصفاة لتنظيف القناة من الأوساخ المتراكمة.
وفي خارج المتحف،
حديقة تضم مجموعة كبيرة من نباتات منطقة البحر المتوسط المذكورة في الانجيل
المقدس، منها المعروف ومنها النادر أيضا من الأشجار والشجيرات والنباتات العشبية.
ومن أبرز الأشجار،
الجميزة الصغرى وعمرها يقدر بنحو 500 عام، وتعتبر "ابنة" للجميزة
المشهورة، التي يزيد عمرها عن ألفي عام، ويتبارك بها المسلمون والمسيحيون، وهي
بالنسبة لكثيرين أحد الأدلة على الحديث الانجيلي بدخول المسيح إلى اريحا، ولقائه
مع زكا العشار.
أهمية قطعة الأرض
التي بني عليها المتحف، انه انشئ عليها خلال العهد البيزنطي المجمع الزراعي والكنسي،
وكانت مبانيه من الأحجار المنحوتة والعواميد، وأرضية الفسيفساء الملونة، والبيضاء
والزخارف، النباتية والهندسية.
وتشير النقود واللقى
الأثرية إلى ازدهار الحياة في الموقع، في القرون 5-7 للميلاد والذي استمر خلال
العهد الاسلامي.
وتضم الحديقة قبور
اوائل الراهبات الروسيات اللواتي خدمن في ارض (يواساف). وتستمر الحفريات المشتركة
الروسية-الفلسطينية في الموقع، ورغم انه لم يتم الاعلان عن المكتشفات الجديدة، إلا
ان مصادر تحدثت لمراسلنا، عن العثور على أفران لصنع الفخار، إضافة إلى قنوات مائية
وغيرها.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق