كان عمر محمد
علي رباح (أبو نبيل) 21 عاما، عندما غادر قريته حطين،
التي تبعد 9 كلم، إلى الغرب من طبريا.
يتذكر أبو
نبيل (85) عاما، الذي يشغل وظيفة المسؤول
المالي والإداري في سفارة فلسطين في البحرين، تلك الأيام العاصفة بين الأمل
والانكسار عام 1948: "حملت السلاح، وحاربت، رغم البطولات، فشلنا، المؤامرة
كانت أكبر منا".
في تموز 1187
انتصر صلاح الدين الأيوبي، في معركة حطين، وكانت فاتحة لمزيد من الانتصارات، وفي
تموز 1948، نُكبت حطين، بعد سقوط الناصرة، وما زالت النكبة مستمرة.
كان أبو نبيل،
يعمل سائقا على سيارة لوري اشتراها له والده، في أيام حطين تلك، ينقل خضار وفواكه
القرية، إلى أسواق طبريا، وينتظر الفلاحين، ليعيدهم عصرا إلى القرية، وعندما نُكبت
القرية، حمّل عائلته في سيارة اللوري، وقصد الحدود الفلسطينية-اللبنانية، وحطوا
الرحال في كفر برعم، التي نُكبت هي الأخرى.
يتذكر أبو
نبيل: "بعد أسبوع وصل (طارش) بلدنا، وصلت الخيول والحمير والحيوانات، وأصبحنا
في مشكلة جديدة، في توفير الأكل والماء، ليس فقط للبشر ولكن لحيواناتنا، وأصبحنا
نتشاجر مع أصحاب الآبار على المياه، وسمعنا انه في قرية بنت جبيل اللبنانية، يوزع
الصليب الأحمر المساعدات على اللاجئين، شددنا الرحال، وحطينا في بنت جبيل،
استأجرنا منزلا وسجلنا لدى الصليب الأحمر".
ويضيف:
"بعد فترة طلبوا مدرسين، فتقدمت، وفتحنا أوّل مدرسة من الخيام في مخيم عين
الحلوة، أشرف عليها أولا الصليب الأحمر، ثم وكالة الغوث. اليونسكو، نظمت لنا
دورات، حاضر فيها دكاترة من الجامعة الأميركية في بيروت، في صيف 1952، وبعد انتهاء
إحدى الدورات في بحمدون، جاءنا من يطلب مدرسين إلى البحرين، أخبرونا انهم سيدفعون
150 روبية كراتب، وعندما سألنا كم تساوي الروبية، تأكدنا ان ما نتقاضاه وكان 160
ليرة لبنانية اكثر بكثير من راتب البحرين، ففضلت البقاء في لبنان، وفي العام
التالي، طلبوا مدرسين للبحرين، وقدمت في المركز الثقافي البريطاني في رأس بيروت،
ودفعوا لي 388 روبية، ونصحني مدرس لبناني يعمل في البحرين بالقبول، قائلا بان الحياة
رخيصة في هذا البلد العربي، وأهلها في غاية الطيبة".
تغريبة جديدة
بدأها أبو نبيل في البحرين، يروي: "كان الذهاب إلى البحرين بطريقين بالطائرة،
وتستغرق 8 ساعات، وقيل لنا بان الراكب سيصل مريضا، والطريقة الثانية عن طريق
البرّ، ركبنا إلى دمشق، ومنها إلى بغداد، بسيارات مكيفة، ومن بغداد بواسطة القطار،
إلى البصرة، ومنها بالباخرة إلى البحرين، حيث وصلت يوم 27-9-1953، كانت سيارات وزارة التربية والتعليم
في البحرين في انتظارنا، وزعونا على المدارس، عملت 17 سنة مدرسا و17 سنة سكرتيرا
في مدارس البحرين، حتى تقاعدت مع 18 أخر من الفلسطينيين، ولم يفضل لنا مكان نذهب
اليه، التمس لنا مكتب منظمة التحرير في البحرين، قبل ان يتحول إلى سفارة، إلى
حكومة البحرين، مشيرا إلى اننا خدمنا البحرين، ولا يوجد لنا وطن، فبقينا على كفالة
وزارة التربية والتعليم، حتى فتحوا باب التجنيس، وحصلت على الجنسية، لأضمن استقرار
ابنائي وعائلتي".
في عام 2011،
تحقق حلم أبو نبيل، وزار فلسطين ضمن وفد رياضي بحريني، ووصل أخيرا إلى حطين:
"توقعت ان ابكي بحرارة، وبحرقة، إلا انني تجلدت، لقد مسحوا حطين عن وجه الأرض،
ولم يبق منها إلا المسجد، ولم يسلم منهم، حيث كانوا يرمون فيه الاوساخ، الا ان
واحدا من أهلنا الذين بقوا رفع دعوى، وتمكن من وضع باب للجامع، لحمايته".
من تبقى من
حطين، توزعوا على القرى المجاورة، ولم يتمكنوا رغم محاولاتهم الحثيثة للعودة الى
ديارهم، بنت دولة الاحتلال على اراضيهم مستوطنة ارييل عام 1949، و مستوطنة كفار
زيتيم عام 1950.
تغريبة أبو
نبيل مستمرة، عمل في مكتب منظمة التحرير في البحرين، الذي تحول بعد اعلان الدولة
في المؤتمر الوطني الفلسطيني في الجزائر 1988 إلى سفارة، وهو الان اقدم موظفي
السفارة، والوجه الباسم، رغم الآلام.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق