لندن: ربعي المدهون
في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي التقيت الباحث والروائي، أسامة العيسة، على أبواب مدينة بيت لحم في الضفة الغربية. ذهبنا مباشرة في رحلة قصيرة، بعيدا عن المدينة، التي قال إنها تستطيع انتظارنا للتجوال على تفاصيلها التراثية والحضارية والدينية فيما بعد، فثمة ما يمكن مشاهدته قبل فوات الأوان.. قرية الولجة، وبعض ينابيع مياه الشرب في المنطقة، والمرور بالزيتونة الأعرق في البلاد التي يمتد عمرها إلى ثلاثة آلاف سنة. وفي رأيه فإن ما نستطيع زيارته اليوم، ربما لا نتمكن من زيارته غدا، والطريق الترابي المتعرج الذي سلكناه باتجاه القرية، وحاجز الجيش الإسرائيلي المقام في أراضي قرية المالحة، الواقعة في جنوب غربي القدس، معرض للإغلاق في أي وقت. وقد أخبرني أسامة اليوم أن الطريق أغلق فعلا. وقال:- أتابع هذه الأيام محاولاتي استكشاف فلسطين، ضمن اهتماماتي بالتراث وبآثار البلاد وجغرافيتها، والتنقل في براريها، وزيارة العديد من وديانها وينابيع المياه فيها، قبل أن يغلق الاحتلال الإسرائيلي الطرق الموصلة إلى بعضها. تستطيع القول إنني أخوض سباقا ماراثونيا مع جدار الفصل العنصري. قبل أسابيع مثلا، زرنا «مغارة الشيطان» في جبال سلفيت، في الضفة الغربية، ويعود عمرها إلى ما بين 10 و15 مليون سنة، ولا يعلم بوجودها إلا عدد قليل من أبناء قرية قراوة بني حسان، في محافظة سلفيت، بسبب صعوبة الوصول إليها. كما أن الدخول إلى المغارة يتم زحفا على الظهر لنحو 3 أمتار، ينفتح المشهد بعد ذلك على صخور وردية، ومنافذ، وأشكال جميلة، تكونت عبر ملايين السنين. و«مغارة الشيطان» شبيهة بمغارة جعيتا في لبنان، وهي تتمدد بمعدل سنتيمتر واحد كل عشرة أعوام.* ما آخر كتاب قرأه صاحب رواية «المسكوبية» التي أضافت كثيرا لـ«أدب السجون»؟- انتهيت أخيرا من رواية جديدة تقع ضمن هذا المجال، هي «أحلام بالحرية» لعايشة عودة، التي أمضت عشر سنوات في السجون الإسرائيلية، وأفرج عنها في عام 1979 ضمن صفقة لتبادل الأسرى بين إسرائيل والفلسطينيين. الرواية جميلة وأعجبتني كثيرا. وقد تمكنت من إدخال نسخة منها إلى سجن «المسكوبية»، في سياق محاولاتنا المستمرة، لتزويد الأسرى الفلسطينيين بالنتاج الأدبي الجديد، وتشجيع القراءة. وكنا قبل فترة أدخلنا روايتك «السيدة من تل أبيب» السجن. ومن المفارقات الغريبة جدا أن سلطات سجن المسكوبية، رفضت السماح بإدخال روايتي أنا التي تحمل اسمه.حاليا، أقرأ كتاب «الفتوحات العربية في روايات المغلوبين»، للبناني حسام عيتاني. وهو كتاب جيد ومثير. فهي المرة الأولى التي يقدم فيها كاتب، باللغة العربية، المرويات والسرديات التي سجلتها الشعوب المغلوبة، عن الفتوحات العربية استنادا إلى مصادرها الأصلية، وكيف رأتنا، وكيف نشأ تثاقف بيننا. وهي مرويات نقلها إخباريون بيزنطيون، وقساوسة أقباط، ورجال دين زرادشتيون، ومؤرخون صينيون، ومدونون يهود، ورهبان إسبان. في هذا الكتاب، يقدم عيتاني وجها آخر مختلفا للفتوحات العربية لم نتعرف عليه من قبل.* ما انشغالاتك الأخرى؟- أواصل السباق مع الجدار.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق