أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 1 فبراير 2013

روز مجنونة حارة اليهود في دمشق



في شهر آب 2008م وجدت نفسي أجوس في حارة اليهود بدمشق العتيقة، ولم أجد سوى روز: امرأة يهودية مسنة. قال لي الشاب صاحب الدكان بجوار منزلها، ضاحكاً بحنو وهو ينظر إليها: "روز مجنونة، لقد جُنّت".
وبادلته روز الضحك، وبعد قليل كشف لي الشاب بأنه فلسطيني من إحدى القرى القريبة من الرملة، قلت له أنا أيضاً من قرية قريبة إلى الرملة، قال لي بأنه يشتاق لقريته، قلت له أنا ايضا الشوق يقتلني، رغم أنني اعيش على بعد نصف ساعة بالسيارة عنها، وفوجيء عندما علم بانني لا أستطيع زيارة قريتي.
فهمت من الشاب أن روز وشقيقة لها هما مِن آخر مَن تبقى مِن يهود في حارة اليهود في دمشق، ويبدو أنها لم تفعل مثلما فعل جُل يهود دمشق، الهجرة إما إلى إسرائيل أو أميركا، لأنها فضلت أن تمضي ما تبقى من حياتها في الحارة التي ولدت فيها.
رأيت في حارة اليهود الدمشقية منازل تركها اليهود، وتسكنها عائلات سورية وفلسطينية، وذكرت لي إحدى السيدات، أن الجميع يدفعون أجرة السكن الذي يذهب إلى اصحاب المنازل أو صندوق للطائفة اليهودية، قلت لها: لو تدرين كيف يأخذ يهود آخرون منازلنا ويطردونا من أرضنا..
قرأت للباحث صقر أبو فخر، بأنه سمع، أو علم بأنه كان يتم إسكان فلسطينيين في حارة اليهود، مكان اليهود الذين يغادرونها إلى إسرائيل، أو ربما إلى أي مكان اخر. لم اتأكد من الامر.
دخلت في حارة اليهود قصرا مليئاً بالزخارف التي تشي بهوية أصحابه اليهود، ومنها نقوش باللغة العبرية، بني عام 1779م، وكان يتم تأهليه ليصبح فندق باسم (فندق قصر الباشا).
قبل عامين قرأت بان رواية صدرت عن واقع اللاجئين الفلسطينيين في حارة اليهود الدمشقية لمؤلفها علي الكردي واسمها (قصر شمعايا). لم أقرأها وليست بحوزتي. قد أكون تحدثت مع سليمان الفيومي عنها، وأخبرني بأنه يعرف الكاتب.
ماذا حدث لروز وصديقها الفلسطيني بعد الأحداث المؤلمة في سوريا؟ في بلاد تستولي عليها عصابة وتنسبها لزعيمها، لا أعرف. ما أعرفه، قليل عن بلادنا، وهو أنها لا تكف عن تفريخ العصابات، تحت مسميات قومية وديمقراطية ودينية واشتراكية. وجميعها تعلن فخرها بتاريخ البلاد، وماضيها، وفي الوقت ذاته تتفاخر بهزيمة حضارة البلاد مثار الفخر. وجميعها لا تريد للإنسان ان يفكر، أصلا لا تؤمن بشيء اسمه إنسان، فرد. أي مسمى يحمل صفة التفكير، أو الشعور خارج القطيع.
لا انسى ذلك اليوم، في الصف الثالث عندما قرات عبارة هرقل المهزوم: وداعا سوريا والى غير لقاء. عدت إلى المنزل حزينا دامع العينين. اظن ان دمشق لم تكف عن بكاء نفسها منذ ان اصبحت أموية، أموية الفكر والسلوك. ولم تكن فلسطين الشام، في الواقع بعيدة عنها.
لن يستوي الظل، والعود أعوج، أعوج منذ قرون!.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق