أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 26 يونيو 2009

من لا يحب شقائق النعمان؟

1 2 3

4 5 6

في شهر آذار 2008، اكتشفتُ في برية القدس، زهور شقائق النعمان باللون الأصفر، الأمر الذي لم يُسجل، حسب معلومات جمعية الحياة البرية الفلسطينية، على الأقل، في فلسطين من قبل.



وَثّقْت، بدهشة بالغة وشغف، هذا اللون النادر لأكثر الزهور شعبية في بلاد الشام، والتي نجت من التهويد مؤقتا، بسبب فوز شقيقتها زهرة قرن الغزال عليها في استفتاء إسرائيلي شعبي، لتمثل دولة الاحتلال في اولمبياد الصين العام الماضي.


وفي شهر آذار 2009، زرت نفس الموقع، ولكنني لم أجد الزهور الصفراء التي كانت منثورة وسط حقل صغير من زهور شقائق النعمان الحمراء، وعزوت ذلك إلى شح الأمطار هذا العام، وأعطيت نفسي موعدا لآذار المقبل.


وخفف من خيبة أملي، بعد أن واصلت سيري، عثوري على زهور شقائق النعمان بألوان مختلفة على سفح إحدى القلاع المهيبة المطلة على البحر الميت، وهي قلعة مرد، التي بناها هيرودس (37-4 ق.م)، وما تزال أثارها حتى الآن، شاهدة على عظمة الأعمال العمرانية التي نفذها حاكم مقاطعة فلسطين الرومانية.


ويستعين البعض للوصول إلى القلعة بالركوب على الحمير، او على الدراجات النارية، والأمر لا يخلو من مخاطرة لأنه يتوجب السير على طرقات صغيرة بين الجبال البركانية السوداء والوديان السحيقة، ويبقى السير على الأقدام، وهو وسيلتي المفضلة، والأقل مخاطرة.


اعطى الاسرائيليون القلعة اسم (هوركانيا) نسبة إلى يوحنا هوركانوس (134-103 ق.م) الذي يقولون انه أول من حصن هذه القلعة، أما هيرودس، فيقدمه اثاريو إسرائيل الان، باعتباره من أعاد بناءها وتحصينها عام 31 ق.م، وبالنسبة لكثيرين، فان هذا التوصيف للقلعة، ومحاولة التقليل من دور هيرودس، في تشييدها، ونسبتها إلى احد المكابيين، ليس شرطا انه يدخل ضمن الجهود العلمية لتوثيق القلعة، وإنما قد يكون له غايات سياسية توراتية.


وتحوي القلعة الآن، بقايا دير من العصر البيزنطي، بناه عام 492م، القديس سابا، أطلق عليه اسم (كاستيليون) عثر فيه أثناء التنقيبات الحديثة على كتابات باللغات: العربية، واليونانية، والآرامية، وكان للرهبان الأرثوذكس وجود في المكان منذ عام 1921م، ولكنهم تركوا الخربة خلال ثورة 1936-1939م، وجرت، قبل سنوات محاولات لترميم بعض الغرف من قبل الكنيسة الأرثوذكسية، ولكن سلطات الاحتلال منعت إكمال ذلك، وطردت الرهبان.


على قمة القلعة المنبسطة يوجد بقايا فسيفساء الكنيسة البيزنطية، مهملة، ومن بين الآثار الباقية، آبار وصهاريج ضخمة جدا، مما يشير إلى طبيعتها العسكرية، وتجهيزها للصمود لفترات طويلة، في حال تم محاصرتها.


وكشفت الحفريات الأثرية في الموقع، إلى أن المياه وصلت إلى القلعة عن طريق قناتين، الأولى طولها نحو 2 كلم، أما القناة الثانية فطولها نحو 9 كلم، تخترق الوديان العميقة، والتلال الجرداء، ومن يعرف طبيعة تلك المنطقة، سيدرك عظمة الجهود التي بذلت للتغلب على التضاريس بالغة الصعوبة.


اشتهرت القلعة، بسبب العثور على بعض ما يعرف باسم مخطوطات البحر الميت فيها عام 1952، مكتوبة على ورق البردى، ورغم هذه الشهرة، إلا أن ذلك لم يجعلها تحظى باهتمام الفلسطينيين، رسميا وشعبيا.


قبل سنوات، طلب مني أمين عام لحزب أسسه بدعم من ياسر عرفات، رئيس السلطة الفلسطينية الراحل، الذي أغدق الأموال على هذا السياسي لانشقاقه عن منظمة احمد جبريل، أن اصطحبه في رحلة صحراوية في الجيب الحديث الذي اشتراه بالأموال التي حصل عليها من عرفات، وكان مثل سياسيّ ما بعد أوسلو، يكنون إعجابا كبيرا بسيارات الدفع الرباعي، فاخترت الذهاب إلى قلعة مرد، وقبل أن ننطلق، التقينا مصادفة، وزير السياحة آنذاك، فأخبرته بأننا في طريقنا إلى موقع يسمى قلعة مرد، ففوجئت انه لا يعرف عنها شيئا، وقال لي جادا أن سلطته عندما تستلم الموقع من الإسرائيليين فأنها ستستلم معها أيضا الملفات وسجل تاريخ الموقع..!


وكنت أدرك أن هذا الموقف، يعكس حالة عامة من التخبط، وسوء الإدارة، والغفلة، التي ألقت بظلالها على إدارات السلطة الفلسطينية، وهي حالة غير مبررة أبدا، فعملية تهويد المنطقة بدأت منذ فترة مبكرة بعد عام 1967م، وزرعت مستوطنات ضخمة في المكان من بينها معاليه ادوميم، وموشير ادوميم، وكيدار، ولم يقتصر إعطاء أسماء يهودية على قلعة مرد، بل شمل ذلك كل ما يحيطها.


وفي أثناء كتابة هذا الموضوع، في نهاية شهر نيسان 2009، أعلن الإسرائيليون، انه سيتم توسيع مستوطنة معاليه ادوميم، بضم مستوطنة كيدار إليها، وهذا يعني تهويد 12 ألف دونم تقع بين المستوطنتين، وبناء نحو 6000 وحدة سكنية جديدة في هذه المنطقة، وحسم موقع مستوطنة كيدار داخل الجدار، مما يعني مصادرة المزيد من الأراضي، وتهجير ما تبقى من تجمعات بدوية فلسطينية في المنطقة، وتدمير أثار هامة تخص الإنسانية.


هذه الأخبار تصدرت نشرات محطات التلفزة ووكالات الأنباء، وربما أنها لم تثر اهتماما استثنائيا عند الكثيرين، لأنها بدت لهم، أخبارا مكررة، وبدون روح، أما بالنسبة لي فان وصولي إلى المنطقة لمتابعة زهوري الصفراء، أصبح غير مؤكد ومحل شك، فعلى الأغلب فان التمدد الاستيطاني سيسبقني الى هناك، وسأصطدم بجدار سيرتفع نحو 8 أمتار، ولن يعرف احد غيري سر شقائق النعمان التي قررت أن تعطينا، هذه المرة، زهورا صفراء، ربما كطقس وداعي.

هناك تعليقان (2):

  1. شيء رائع ان ترى اللون الاصفر
    انا شاهدت الازرق
    والاحمر بمشتقاته
    لكني لم ارى الاصفر مطلقا
    معلومات اضافيه عنها انها افضل مسكن للالم خاصه الرشوحات
    حفنه منها في ماء فاتر تنقع فيه الاقدام افضل شيء لعلاج الم الاقدام من السير الطويل
    ودمتم سالمين

    ردحذف
  2. شيء رائع
    ساجرب وصفتك وسندعو لك

    ردحذف