أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 4 سبتمبر 2008

من منا لم يفكر بقتل ابيه؟



 

اخر ليلة لي في دمشق خصصتها لاخر اساطير الغناء العربي صباح فخري الذي شدا على مسرح معرض دمشق الدولي

كان موعد الحفلة التاسعة والنصف، ذهبت في التاسعة، واحتسيت القهوة في كافتيريا المسرح، وانا كلي ثقة بان فنانا كبيرا مثل فخري لا بد ان يكون ملتزما في موعد الحفلة، ولكن ذلك لم يحدث، وهو ما اثار حنقي واستغرابي، متى ساجد شخصا في هذا العالم العربي يحترم المواعيد؟ او يتحلى بالصدق؟.

قدم فخري نخبة من اغانيه المعروفة، لجمهور متنوع من الشباب والكبار، ومن ارستقراطية الشام، ونسائهم، الذين احتلوا المقاعد الاولى، الى الصعاليك عابري السبيل امثالي، وجدت نفسي وسط مجوعة من الاجنبيات، اللواتي يعددن انفسهم ليسرن على درب الاستشراق.

مفاجاة فخري، لم تكن في عدم التزامه بموعد الحفل، ولكن ايضا بتصرف بدا غريبا، ففي وسط اغنيته خمرة الحب، قطع الغناء، ليوجه تقريعا بكلمات نابية، لاحدى النساء التي تصور الحفلة بالفيديو، ثم وكأن شيئا لم يكن عاد ليتابع الغناء بنفس الحماس.

فتاة سورية تجلس خلفي مباشرة، اتصلت بمنزلها، وطلبت ان تتاخر حتى يغني فخري خمرة الحب، واثارها تقريعه المفاجيء وسالتني "اليس هذا معيبا؟ يا عيب الشوم".

لم اعرف الاجابة، ولكن اخرين من الجالسين بجانبي تفهموا الامر وقالوا بان فخري ارسل مدير اعماله اكثر من مرة للمصورة، ولكنها لم تستجب، فاضطر ليفعل ما فعل.

صوت فخري كان يخترق سماء دمشق، وكان يركز نظره الى شخص يقف بجانب المسرح، يغني بانفعال مع فخري، ويلوح له، وكانهما ثنائي منسجم الى حد كبير.

فيما بعد عرفت ان الشاب المنفعل باغاني فخري، هو ابنه انس ابو قوس، الذي يغني الروك.

لم اطلع على تجربة انس الموسيقية، ولكن يخيل الي انه يحاول ان يقتل صورة الاب، كما فعل كثير منا في يوم من الايام، وانا منهم، واذكر انني اصدرت قصة طويلة في عمر مبكر اهديتها الى "روح والدي الحاج محيسن الذي ربطتني به غربة متعددة الابعاد وفصلت بيننا ستون عاما من الكبت، والفقر، والحب والنسيان

لم افلح با والدي كما اردت، وطلعت هلفوتا كما توقعت، حسبي يا والدي، انها كانت قاسية جدا، لا ترحم، غربة الاهل والوطن وحبنا العظيم".

والغريب ان القصة جوبهت بنقد شديد، وما كتبت عنها يفوق عدد صفحاتها، ونظم اتحاد الكتاب الفلسطينيين ندوة عنها في مجمع النقابات المهنية في بيت حنينا، في زمن القدس الالق.

نسيت القصة التي لا يوجد نسخة منها لدي، حتى ذكرني بالموضوع، وخصوصا الاهداء، صديق قديم يعيش في القاهرة استدل علي من خلال الانترنت.

الاباء من السياسيين والايدلوجيين والقبليين والاجتماعيين والاكاديميين، وجميع انواع الاباء في العالم العربي يستحقون القتل، ولكن ما يحدث اننا جميعا في النهاية نعود الى الحظيرة، ونصبح نسخا جديدة عن اباءنا.

من منا لم يفكر بقتل ابيه؟ تساءل احد ابطال ديستوفيسكي

ومن منا لم يعد الى الحظيرة؟ سيفعلها انس ابو قوس

انتهت حفلة صباح فخري، ولم يكن يعلم بان واحدا من جمهوره خرج هائما في شوارع دمشق، وعندما وصل مكان الحافلة التي كانت ستقله الى عمان، وجدها قد تحركت، لم يصل في الموعد الصحيح، بسبب عدم التزام فخري بالموعد.

ركبت سيارة اجرة ولحقت بالحافلة، كنت امل ان اصل في اليوم التالي الى القدس، التي لا يفصلها عن دمشق سوى ثلاث ساعات بالسيارة لولا الحدود والاحتلال.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق