"جد الزيتون في
شهرين
وأرمي الحب في شهرين
ومدد رجليك شهرين
وكأنهما يومين
واجمع الكتان في شهر
واحصد الشعير في شهر
واقطف العنب في شهر
وخزن شهدك في شهرين
واجن فاكهة صيفك في
شهرين"
بهذه القصيدة
الكنعانية التي عبرت فيها تمار أو اثمار عن العمل والإنتاج للفلاح الفلسطينيِّ،
نبحر في رموز وصراعات وثيمات الكاتب الفلسطيني أسامة العيسة، الذي ينقلني في كل
كتاب من كتبه إلى مرحلة مختلفة بين الخربطة في فهم القصيدة والرواية في: قبلة بيت
لحم، أو لوثة المجانين ولن ننسى أمنية الحرب التي لم تحصل في: تباريح جندي، فهو
ابن بيت لحم أكثر مدينة شهدت على الصراع
بحكم موقعها الأساسي هي وأختها القدس، ذلك الصراع الذي استمده الكاتب من الكتب
المقدَّسة هذه المرَّة عبر سفر التكوين، الفصل ٣٨ عن يهوذا الإسرائيلي وزوجة ابنه
تمار الكنعانية.
سؤال قبل البدء: ما
هذا العنوان؟
العنوان غريب وملفت: الإنجيل
المنحول وهو كتاب مقدَّس، وزانية المعبد أي فتاة الكاهن المقدَّسة، لكن المطلع على
كتب وأسلوب الكاتب يحاول الإجابة عن ذلك، فمن هي الفتاة وما قصة الإنجيل وقصة
الارتباط الغريب؟ يجد القارئ كتب أسامة العيسة ورواياته ناقدة للواقع متجذرة
بالتاريخ لأنه ابن هذه الأرض التي تسمى فلسطين، عبر إعادة الصراع ضمن هذا الخط،
فهو يتحدَّث عن الوجود الكنعاني/الفينيقي على أرض فلسطين، ويتحدَّث عن الدخلاء
اعتمدوا على "وعد يهوه" بإعطائهم الأرض. ونجد الفرق بين قسوة
"يهوه" وأتباعه "يهوذا"، ورحمة "عشتار" واجتماعية
"الكنعاني/الفينيقي تمارا وأسرتها" الذين تعاملوا بروح مدنية مع الدخلاء
أتباع يهوه. نحن الآن في 2023 بداية سنة جديدة فهل عكس الكاتب الصراع على الزمن
الحاضر أم أعطاه تاريخًا موحل بالقدم وصراع ديني لم يوجد حتى بالحروب الصليبية
برغم قيامها على مبدأ الدين.
صراعات الرواية
1. صراع الأسماء:
أثمار أو تمار،
وربّما النخلة، هي صراع أراده الكاتب من نوع غريب فالاسم كنعاني يعني النخلة
القوية الممتدة كنخل أريحا الثابت في الأرض ويهوذا والد زوجها في إشارة كبيرة إلى
الوجود الفلسطيني الكنعاني والدخلاء الذين اعتمدوا على وعد، ومدى طيبة الأول وقسوة
الثاني، فالأوَّل حافظ على الوطن والثاني احتل ودمر هذا الوطن. نعم ثمّة ثيمة
كبيرة تبدأ من هنا أثمار ووالدها الكاهن الذي سمَّاها باسمها لأسبابٍ دينيّة
أوّلًا، ولكن الأهم في اختياره اسمها هو لكي تكون كالنخلة، جميلة مثمرة، مستقيمة
بلا أيّ اعوجاج، فالأشجار كلّها تنمو مع اعوجاج إلَّا النخلة تستمرّ صعودًا بجذع
مستقيم. كما أنَّ والدتها لم تكفّ عن ترتيل أناشيد تُعدّد فوائدها الدينية وفق الآلهة
عشتار آلهة الكنعانيون.
2. صراع الهوية:
تنازل الكاتب عن
حقوقه راو لصالح تمار فجعلها الراوي والمروي عنه في إشارة إلى صراع الهوية "يا بعل يا بعلننا". بعل هنا أراد
الكاتب لتمار أن تتحدَّث عن الصراع بكل قوة فهي من طبيعة فلسطينية كنعانية تدعوا إلى
السلام ا متعلقة بالأرض، وهذا يشير إلى أن هؤلاء القوم يتبعون ثقافة متعلقة
بالزراعة/بالخصب، بالخير الذي تعطيه لهم الأرض، لهذا أوجدوا أرباب (زراعية).
لهذا نجدهم قوم منتجين
يفضون العمل بالأرض على القتال والحرب: "...من رسائل بعلنا: حطم سيفك وتناول
معولك، وتعال معي نزرع السلام والمحبة في كبد الأرض".
في المقابل نجد يهوه
يتناقض تمامًا مع عشتار، فهو رب قاسٍ يفرح بشي اللحم، كما أنَّه رب لمجموعة معينة
من الناس، اختارهم بطريقة عنصرية ليكونوا عباده من دون البشر.
3. صراع الفكر الموجه
ضد المرأة الشرقيَّة:
تمار إحدى الضحايا
فهي قبل أن تكون زانية قديسة هي ضحية لا علاقة لها بكل الديانات برب موسى أو رب
بعل. هي فتاة أحبت وتزوجت مات زوجها أخذت أخوه ثم هجرت فانتقمت من والدهم فهنا
نقلنا إلى الظلم الموجه ضد المرأة وتدفيعها الثمن كأنّ،َها الشخص المسؤول عما حصل
عليها أن تجلد فلولا ختم يهوذا لكانت قتلت هي وعائلتها. هنا يتساءل القارئ عن أصول
هذا الصراع المستمر منذ أكل التفاحة والذي لن ينتهي.
4. صراع الآلهة
والديانات السماوية:
عبد الكنعانيون الآلهة
بعل وعشتار، والإسرائيليون لهم دين منزل دين سماوي وسيبدأ الصراع من قصة حب وهل
يوجد ألعن منه فهو حب بين تمار الكنعانية وعِير بن يهوذا الإسرائيليّ. علاقة
تتعقّد في مساراتها، وسط موافقة الكاهن والد تمار، وشبه اعتراض من يهوذا والد عير،
رغم زواجه من كنعانية، وهنا يبرز سؤال سيتكرّر على مدار الرواية حول السبب في
تزويج الكنعانيّ ابنته للإسرائيليِّ، وعدم جواز زواج الكنعاني بالإسرائيلية؟!
ويبرز اعتراض فتيان كنعانيين على تزويج كنعانية من ابن يهوذا قاتل الكنعانيين
ومدمّر قراهم.
5. صراع القصَّة:
يتزوج عِير
الإسرائيليِّ من تَمار الكنعانية، بعد علاقة حبّ جديرة بالاحترام، وبعد لقاءات عدة
في عيون الماء، حيث يلتقي الشبّان بالفتيات، فيراها هو ابن يهوذا والعائلة
الإسرائيلية المعروفة، وابن امرأة كنعانية؟ لكنه لا يلبث أن يدخل في نوبات مرض
قاتل. وحسب التقاليد تتزوَّج تمار من شقيقه أومان وتتوالد الأساطير والخرافات من
رحم بعضها بحيث يصعب حصرها، لكنَّنا نظل في علاقة تمار ووالدها الكاهن المبجّل لدى
قومه، مع قبيلة يهوذا بن يعقوب المبجّل هو الآخر لدى قومه. علاقة ملتبسة وتزداد
التباسًا بزواج أومن من تمار. فبدلًا من أن يكون بديلًا لشقيقه المتوفى، ويصبح
زوجًا حقيقيًا لأرملة شقيقه، ثم إنه لا يلبث أن يموت. ما يضطر القبيلة للبحث عن
بديل له كزوج لها، وليس ثمة سوى فتى صغير هو شِيلة الابن الثالث ليهوذا، فيكون
الوعد. يكبر شِيلة، ويرفض الزواج من تمار، ويؤازره والده يهوذا، فتقرِّر تمار
الانتقام، ويكون انتقامها حاسمًا. ففي موسم جزّ الأغنام، الموسم الذي يُفرِد له
المؤلف صفحات عدة، تتخفى تمار في ثياب زانية، وتترصد ليهوذا ثم تجذبه ليضاجعها دون
أن يعرفها، وتحصل منه على أغراض تثبت اللقاء، ثم تحمل منه. وحين تحدث الفضيحة
ويثبت أنه هو الفاعل، يعترف أنَّ من في بطنها هو ابنه، بل ابناه التوأمان، لتنتهي
الرواية بهذا الاعتراف وبالمصالحة بين القبيلتين الكنعانية والإسرائيلية.
6. الصراع الآن 2023:
أراد الكاتب عكس
الصراع على الوقت الحاضر، تؤشر على علاقة الفلسطينيِّ بالإسرائيليِّ، ودور
المستوطنين في تدمير حياة الفلسطينيِّين، والمواجهات التي تجري بينهم وبين أطفال
فلسطين، في الوقت الذي يستمر الصراع فيه على "إنجيل" تمار المرفوض بين
الكثير من الأناجيل، رغم وجود مقام لها، كلما هدمه الإسرائيليُّون أعاد الفلسطينيُّون
بناءه. فكان تمار وعير والكاهن ويهوذا هم اختصار قوي لعلاقة الفلسطيني بالإسرائيلي
وصراع القوة والصمود صراع الدين برغم كل شيء
7. صراع العادات
والتقاليد:
إن اطلعنا على جوانب
الحياة الاقتصادية بالاجتماعية، خصوصًا في مجتمع قبَليّ عشائريِّ محكوم بزعيم
(إله)، يتحكَّم بمجموعة من الزعماء يتحكَّمون بدورهم بالرّعاع، فثمّة تراتبية
وتقسيم وظائف وغنائم، يظهر ذلك في مشاهد عدة، أبرزها حين يعلمون بحمل تمار بالزنى،
فيطلب منهم زعيمهم يهوذا أن يأتوا بها ليحرقوها، وفعلًا يحاصرون منزلها حتى تضطر
أن تكشف أنَّ الزاني هو يهوذا نفسه، فيتراجعون، بل تتراجع مكانته لديهم. هذه هي
تمار، امرأة لا تعرف من هي وما حقيقتها؟ لكننا نكتشف أنَّها "ثورية" في
مجتمع خانع للتقاليد والقيم الدينية والاجتماعية البالية، وقد تصرّفت على نحو
ينتصر لقضيتها وحضورها ضمن الخيارات الأخلاقية والتربويّة والاجتماعيّة في الحبّ
والحياة.
8. أخيرًا:
في ملحق أخير
بالرواية شروحات تلقي أضواء لا نعرف مدى واقعيتها، فالإنجيل المنحول الذي تم
العثور عليه في "خرائب بحيرة الملح"، كما يقول من عثر عليه "على
تلة مشرفة على مرج يمتدّ من أراضي قريتنا حتى شارع ظهر الجبل الذي يقطع فلسطين
الوسطى"، هناك ينتصب مقام توارثه أهلنا باعتباره مقام "العزيزة".
يُجلّه المسلمون لأنه "يعود لقديسة ماتت في هذا المكان خلال الغزوات العربية
لأرضنا.."، ويقدّسه المسيحيّون باعتباره "مقامًا لجدّة المسيح التي ظهر
حملها للناس في شهرها الثالث". أما المستوطنون اليهود فـ"استولوا على
أرض قريبة تقع على تلة مجاورة، وهجّروا الفلاحين وبنوا مكانهم مستوطنة سمّوها باسم
النبية التائهة.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق