أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 8 فبراير 2021

عازف الفرح يغادر مخلفا حزنا وأسى



خرج ناصر صبح همّاش، هذه المرة، من منزله في مخيم الدهيشة، كما يفعل دائمًا، ولكنه لن يعود إليه، ذهب إلى مستقره الأخير في مقبرة قبة راحيل في بيت لحم، وسار خلفه عدد كبير من المشيعين.

لن يرى أهالي المخيم، وبيت لحم، كما تعودوا، همّاش، أحد أشهر المصابين بمتلازمة داون في المحافظة، مرة أخرى، بملابسه المهندمة، يطرق أفراحهم وأعراسهم، ويعزف، محركا يديه في الهواء، على إيقاع الأنغام والأغاني، ويكون دائما مرحبا به، وكأن الأعراس لا فرح فيها بدون حضوره الطاغي.

ودع محبو همّاش، صديقهم الذي يعتبرونه واحدا من أفراد عائلاتهم، بحب كبير، بعد وفاته المفاجأة، وأيقنوا مدى الفراغ الذي سيتركه العازف بدون أوتار في أفراحهم.

نظام همّاش، الذي أحب دائما أن يكنى بأبي عصام، الحياتي، روتيني إلى حد كبير، يستيقظ ظهرا، ويجهز نفسه، وبعد أن يرتدي ثيابه، يخرج، ويعود إلى المنزل في الثالثة فجرا.

يقول الفنان التشكيلي عايد عرفه ابن مخيم الدهيشة: "أبو عصام موسيقي لا يفوته عرس أو حفلة، إلا وقد اتخذ زاوية قريبة قدر الإمكان من السماعات، يعزف على آلة عود غير مرئية، بسلطنة وشغف من أول دقة في الحفل إلى أخر دقة. غالبا ما يضع نظارة سوداء على عينيه أو على رأسه وسيجارة مثبتة على إذنه، يمشي بتأني وينتبه إلى مظهره ونظافته ويرش العطر في كل فرصة ممكنة".

يضيف: "يعرف أهل المخيم بأسمائهم وأشغالهم وصفاتهم، والأهم يعرف مواعيد أعراسهم، لا يغيب ولا  يتأخر عنها، لا يركب التاكسي ولا يحاول أن يوقف السيارات بل يتلقفه المعارف والمحبون الكثر، ويقلونه إلى مبتغاه، يعيش كنجم حفلات يستفيق في الظهيرة ويعود أدراجه وجه الصبح، يلبس ويتأنق كفنان، يحمل في جيوبه أو كيسه النايلون الأسود، أشرطة كاسيت لمحمد عبد الوهاب وأم كلثوم وفريد الأطرش وغيرهم".

أنجز المخرج أحمد همّاش، فيلما قصيرا عن عمه ناصر، بعنوان: عمي ناصر، يظهر يوما من حياته، من صحوه وطقوس النظافة المبالغ فيها، واعتنائه بهندامه، وكوي كل ما يرتديه حتى الجرابات والملابس الداخلية، وتقديره لرقم سبعة، فهوي يفعل معظم الأشياء سبع مرات.

يعرف حلاقو المخيم، ناصر، ويقدمون خدماتهم له، يقول عرفة: "صالون علي عودة، يعرف ويفهم طلب ناصر؛ ستة وجوه حلاقة، رغوة كثيرة وحلاقة تجلي تشبه المساج، شاهدت ناصر مرة ينام ويغفو أثناء الحلاقة ويستفيق طالبا حلقة سابعة إضافية. ربما كان حظ ناصر السعيد في عائلته التي قدمت نموذجا يحتذى به في رعاية ناصر وهي تحتفل بعيد ميلاده كل عام".

يضيف عرفة: "كان ناصر وكأنه قسط من البهجة في ثنايا انتكاساتنا السياسية وهمومنا الحياتية، وعلى مدى ثلاثة أجيال وأكثر صنع ذاكرة جماعية،أاغلب من في المخيم لديهم صورة مع ناصر. عاش الانتفاضتين الأولى والثانية وبقي ملتزما بهيئته وبرنامجه الفني، وبظرافة حضوره وضحكاته وعزفه الخفي".

وصف علاء الصرفندي الذي يدير محلا للأجهزة الخلوية على شارع المخيم الرئيس، صديقه ناصر بأنه: "هرم المحبه وبوصله السعادة والفرح".

لدى عرض فيلم عمي ناصر، في مؤسسة إبداع-مخيم الدهيشة، كرمت المؤسسة ناصر، بحضور عائلته وجمهوره. يقول خالد الصيفي مدير المؤسسة: "ناصر صبح،  إنسان بسيط، دائم الظهور في أزقة المخيم الذي لا يزال ناسه ينتظرون تحقيق حلم العودة، حجم  التعاطف واللوعة والحزن والألم، على رحيله، يعني أن حب الناس يتأتى  بمقدار الانتماء إلى أمالهم وآلامهم".

أمين سر حركة فتح في إقليم بيت لحم، محمد المصري، يصف ناصر، بأنه: "عازف الفرح، وصاحب القلب الطيب"، ويخاطبه: "سنفتقدك في أفراحنا ومناسباتنا السعيدة يا ناصر، لن تكون ساحات مخيم الدهيشة مليئةً باللهجة كما لو انك هناك تنشر السعادة".

 

 

 

 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق