أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 6 أبريل 2020

حلاق دير جرير..!



على درج سوق بيت لحم، مساء أول أمس، روى الغوشي، بصوته الهاديء، وشعره المصبوغ، وشاربه الذي يؤكد نعومته، عكس هدفه، وعذاريه القصيرين، ما اعتقد أنها الرواية التي لا يعرفها غيره، واحتاج إلى أكثر العبارات تأثيرًا في قاموسه المبتسر، وهو يشير إلى الحَلاَّق في دير جرير المصاب بالكورونا، هاتفًا، بأنَّ كل من دخل عنده تلقح على الأرض مصابًا، حتى وصل العدد إلى عشرين متلقحًا مصابين بالفيروس الخفي اللعين، نُقلوا على حمالات.
برودة الأعصاب التي روى فيها الغوشي جذلاً، بعدد مستمعين انحصروا في ثلاثة أنا منهم، قصته غير الحقيقية لحلاق دير جرير، الذي أضحى أمثولة، في زمن الكورونا التي يبحث فيها النّاس، عن أَماثيل، هي إحدى علامات زمن الفيروس، حيث يميل كثير من النّاس، إلى الغرائبي، والإشاعي، والرغبوي، أكثر من أي وقت، أو مثل أي وقت مضى ولم يزل.
لم تكن أم نبيل، على بسطتها، على الدرج، لتعلق، فهي مثل باقي أهالي ارطاس، محجورة داخل القرية، ولم يكن أحد في السوق القديمة، يرغب بمجادلة الغوشي، فالسوق هادئة، رغم أصوات البائعين الخافتة، وفي ظنهم أن الخفوت من متطلبات حالة الطوارئ في أوَّل مدينة عربية عزلها الكورونا، في يومها الحادي والثلاثين.
حلاق دير جرير، هو واحد من أشهر الأشخاص (..حتّى إشعار آخر)، وإن لم يكن اسمه معروفًا على نطاق واسع، في زمن الكورونا الفلسطينيّ. الذي حلق لعامل فلسطينيّ ظهرت إصابته لاحقًا بالفيروس، كان يعمل في مصنع في مستوطنة عطروت الصناعية، وبينت فحوص الحَلاَّق بأنّه ليس مصابًا، ولكنّه تسبب، كما قالت محافظة رام الله والبيرة ليلى غنّام، بإغلاق دير جرير.
بلغتها الشعبية، أوضحت غنّام، في فيديو مباشر غاضب، بأنّها لا تحب لغة التهديدات، ولكن الحَلاَّق، سيوضع في الحجر 14 يومًا، ليس في منزله، وإنما في زنزانة.
وجد الحَلاَّق متعاطفين معه، وصفوه بالشاب المؤدب والخلوق، وإن العزل في الزنزانة يجب أن يكون من نصيب العامل المصاب الذي نقل العدوى لزوجته وأطفاله.
تجنب المتعاطفون مع الحَلاَّق، الأوصاف التقليدية الأكثر التصاقا بتراث الحلاقين، وهي الثرثرة، والطبطبة، حين كان الحَلاَّق يضطلع بمهامٍ طبية، ووجدانية، في حارته أو حيه أو قريته.
أشهر الحلاقين في التراث الأدبيّ العربيّ، هو حلاق بغداد في ألف ليلة وليلة، وهو ثرثار أشر، تتولد من حكايته حكايات، ومن حكايات حلاق دير جرر تتولد حكايات، على الأقل لدى أمثال الغوشي، إلى حين، ظهور أمثولة أخرى.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق