أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 22 يونيو 2019

رحيل الشاهد الأخير على مذبحة قرية زكريا




عندما هُجّر فايز ذيب الكواملة، من قريته زكريا، في الهضاب الوسطى، كان عمره 13 عامًا، ومثل باقي المهجرين من قريته، اعتقد بأنه سيعود إليها قريبًا، ولكن الرحلة طالت، حتى رحل، ودفن في المقبرة اليوسفية قرب باب الأسباط في القدس.
وبرحيل الحاج فايز، يرحل آخر الشهود على مذبحة ارتكبتها العصابات الصهيونية، ذهب ضحيتها ثلاثة من الأهالي.
في تلك الأيام العصيبة، كان الأهالي يسمعون أخبار الحرب، عن طريق الراديو الموجود لدى مختار القرية، وقبل التشريد بقليل أصبح هناك راديو آخر لدى أحمد يونس العيسة، وكان من يريد أن يسمع الأخبار يذهب إلى حيث يضع المختار الراديو في الطابق الثاني من بيته على الشباك المشرف على الجامع، وعادة ما يتم فتح الراديو للناس بعد انتهاء الصلاة.
وأيضا كان الأهالي يتابعون الأخبار عن طريق المجاهدين الذين يذهبون ويعودون أو يمرون من القرية، أو عن طريق الجرائد مثل (الجامعة الإسلامية) و(الدفاع). حيث من كان يأتي من يافا أو من الخليل مثلاً يحضر معه الجرائد.
وساهم شبان القرية، في ما يمكن وصفه المجهود الحربي المحلي، في تثبيت خط دفاع، يمتد من القرية، إلى قرى أخرى مجاورة، ولكن الأمور أخذت بالتراجع.
يعود مصطفى عدوي (أبو أسامة)، بالذاكرة إلى شهر تشرين أول عام 1948،  عندما قررت العصابات الصهيونية، تطهير قرية زكريا عرقيا: "تعرضت قريتنا لثلاثة أيام متتالية من قصف مدفعي بقذائف المورتور (الهاون)، وكانت القذائف تسقط حول القرية ولم يصب أحد بأذى، ولكنّ الأهالي خرجوا من منازلهم، وسكنوا تحت أشجار الزيتون الضخمة في السهل جنوب القرية، وبعض العائلات لم تكون قد ابتعدت عن حدود القرية بضع عشرات من الأمتار، وكان الناس يعودون إلى البيوت لإحضار مواد غذائية أو أية حاجات أخرى ضرورية".
وعندما لم تنجح العصابات الصهيونية، في تحقيق هدفها، بتهجير القرية، وضعت خطة: "تقدمت دورية إسرائيليه خلسة، وخطفت ستة أشخاص، كانوا بعيدين نسبيًا عن الناس، كانوا ثلاثة رجال، وسيدتين وفتى، واقتادت الدورية، المخطوفين إلى وادي بولس، حيث ذبحت ثلاثة، وأطلقت سراح السيدتين والفتى فايز ذيب الكواملة".
كان عمر الفتى فايز ذيب الكواملة 13 عامًا، عندما شهد على مقتل ثلاثة من أقاربه: الشيخ عبد الفتاح الكواملة، وعبد الله جفّال، وإبراهيم عليان الكواملة، وأطلق القتلة سراحه وسراح جدته أديبة، وقريبته هدية، ليخبروا الأهالي عمّا جرى، لبث الرعب في الأهالي.
يقول مصطفى عدوي: "اعتقد أن الجريمة المروعة، وذبح الثلاثة من الوريد، عجلت في رحيل الناس إلى الضياع".
ونقل الباحث الراحل، صلاح عبد ربه، عن شهود عيان، بان العصابات الصهيونية، ذبحت الشهداء الثلاثة، وقطعت رؤوسهم، ووضعتها على الحجارة، وذكر في رسالة له تقدم بها إلى جامعة بير زيت، ان هذه الجريمة، كانت أحد أسباب الرحيل عن القرية، ولكنه رحيل نسبي، لان آخرين ظلوا في القرية، حتى هجروا مرة أخرى، عندما قرر دافيد بن غوريون رئيس وزراء دولة إسرائيل الوليدة يوم 9 حزيران 1950، طرد ما تبقى من سكان القرية، وإسكان يهود مكانهم فيما عرف بتفريغ القرى الحدودية.
وحسب المؤرخ بني موريس، فإن قرية زكريا سقطت في الفترة بين 19-22 تشرين أول (أكتوبر) 1948 في (عملية الجبل).
وقال محمد الكواملة: "برحيل عمي فايز، يرحل آخر الشهود على الجريمة، بعد رحيل جدتي هدبة منصور وهي والدة أمي وأصلها يعود إلى بلدة حلحول، ورحيل الحاجة أديبة، وهي والدة عمي ذيب الكواملة، ولكننا لن ننسى الجريمة".
عاش الحاج فايز، وقريته تسكنه، وموّل كتيبا عنها، أعده صديقه الشيخ عباس النمر، وعرف عنه تبرعه للإعمال الخيرية، ونعته لجنة الخدمات الشعبية في مخيم العروب، باعتباره محسن كبير، وفتح له سرادق عزاء في منزله في رام الله، وفي مخيم العروب.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق