أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الجمعة، 3 أبريل 2020

من لا يأكل كعك أبو طاحونة؟



يمشي أبو طاحونة، دافعًا عربة الكعك بعزمٍ يقطع الأنفاس، وهو يقطع 5-10 كلم، حسب تقديري. يخرج فجرًا إلى الفرن، يحمل الكعك، ويُشغّل السمّاعة: كعك..كعك.
يقطع شوارع بيت لحم، وما حولها، يصل أمام منزلي، في منتصف الظهيرة. خلال خضوع بيت لحم للإغلاق وحالة الطوارئ، أسمع صوته، هو واحد من الأصوات القليلة التي تُسمع في الشوارع، كصوت مشتري الحديد والخردة، وبائع شعر البنات.
يبدو ظل مشتري الخردة ثقيلاً نسبة لأسلافه العظام الجائلين، بدون سيارات، في زمننا، وفي زمن من قبلنا، في زمننا كانت مقايضة التوتياء بالكسبة الخليلية السمراء المرّة، توّلد شعورًا لن يتكرر، وفي زمن أقدم، يتذكر الأكبر سنًا منا، منغوم سيعيش معهم طويلاً:
نحاس..برصاص.. يا..قضامة
أمّا صاحب شعر البنات، فمناضل اسمه الترميزي أبو جهاد عبد، يدور بسيارته، مخترقًا الشوارع والأزقة، مجاهدًا، ضاحكاً، نافثًا سيجارته.
سألت أبو طاحونة اليوم، إذا ما زال يقطع نفس المسافة القاتلة التي كان يقطعها قبل الجائحة، أجاب بنعم، وهل البيع نفس البيع؟ وكما تتوقعون، لا يمكن لبائع أن يذكر الرقم الصحيح، حتّى لو كان مطحونا كأبي طاحونة شخصيًا. أجاب: نزل البيع إلى النصف. تغيّر سلوك النّاس الاستهلاكي بعد الجائحة، وشمل كعك أبو طاحونة.
هو نموذج على ما يعتقد البعض بأن ما قبل الكارونا لن يكن كما بعدها. كان أبو طاحونة يبيع 100 كعكة، كما يقول والآن يبيع من 50-60 كعكة. يمشي نفس المسافة، ويربح في الكعكة نفس الربح، أو أقل. ويحني كتفيه نفس زاوية الانحناء، ويستهلك من جسده، ما يُطعم جسد عربته الخشبية، ولكن ما يخيفه أكثر هو غيابه عن شوارع بيت لحم.
أسأله إذا كانت الأجهزة الأمنية تعترضه أو تمنعه؟ فيجيب بالنفي.
يناولني أبو طاحونة أربع كعكات، وعلى عكس ما قبل الكارونا، حيث كان يبيعني كعكه بسعرٍ سياحي، بخلاف سكان الحارة، يتمتم بالسعر العادي الجديد.
أُنتج كعك القدس، على الأقل منذ القرن السادس عشر، ولكن يهودًا ادعوا السبق، وأنهم أنتجوه في الديسابورا. يتحمس الإسرائيليون والفلسطينيون لكل ما يتعلق بالسبق. من كان أولاً في الأرض؟ ومن أكل حمص قبل الثاني؟ ومن تذوق الفلافل؟ إلى من الأحق بالنبيّ موسى، وراحيل. وحتّى الرئيس أبو عمّار، عندما نُقل إليه من قناة التفاوض السرية في أوسلو: غزة أولا. وافق ولكن، لكي يسجل نقطة على بيرس، اشترط أن تكون غزة وأريحا أولاً. ومات رابين وهو حائرًا، بكلام عرفات عندما أعلن الأخير بأنَّ راحيل خالته..!
لا يأبه أبو طاحونة بجدل الكارونا السياسي-الاقتصادي، ما يخشاه أن لا يكون لأمثاله مكانًا في شوارع ما بعد الكوورنا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق