أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

السبت، 2 مارس 2019

أقدم سجين في العالم



كمال ثابت؛ اسم مموسق، يمكن لممثل أن يتخذه اسمًا فنيًا، أو قد يمنح لجاسوس؛ وهو ما حصل مع ايلي كوهين مثلاً، ولكن ثلاثيًا: كمال أمين ثابت؛ لعل خبراء النفس في المخابرات الإسرائيلية، قدروا وقع الاسم الثلاثي على المتلقي العربي (يمكن مراجعة كتاب صادق العظم عن هزيمة حزيران)، ولا نعرف إذ ظهر أو سيظهر ضابط موساد ينسب لنفسه اختيار اسم الجاسوس، الذي ما زال النّاس يتحدثون عنه. وكمال ثابت هو اسم فلاح مصري، وجد نفسه، وهو في العشرين من عمره، مطالبًا بأخذ الثأر لوالده وثم لعمّه، وفي النتيجة قتل ثلاثة، أحدهم وهو في السجن، وفشل في قتل آخرين، فحكم عليه بالسجن 65 عامًا.
أُطلق سراح ثابت، بعد 46 عامًا، بعفو رئاسي، وعندما خرج إلى العالم، الذي كان يتابعه وهو في السجن، من خلال التلفزيون، حاول أن يقلد ما كان يراه، فاعتدل في أول لقاء تلفزيوني مطول معه، وتوجه برسالة إلى السيسي متمنيًا أن يحكم مصر طول العمر، ولكن ثابت بدا كاريكاتيريا أكثر من اللازم، ولم يدرك بأنه سيحتاج إلى عمر آخر خارج السجن ليتقن فن التطبيل.
ولكن ثابت، وقد خرج من السجن وعمره 68 عامًا، أصبح أكثر إدراكا لما فرضه عليه المجتمع وتقاليده، وأدى التزامه بها إلى خسرانه عمره الذي مُنح له ليدب على هذه الدنيا، فطلب بكل جرأة وبدون أي خجل، راتبًا، وشقةً، وزوجةً في العشرينات، وكأنّه يقول للمجتمع: لقد التزمت بقوانينك، وعليك الآن أن تلتزم تجاهي.
ليس مهمًا الأسباب التي أدت إلى سلسة من الجرائم المتبادلة في قرية الديابات في سوهاج، فهي كما يقول ثابت سببها: بقرة داست على فجلة، ولكنه لم يكن بإمكانه أن يتصرف خارج حدود القبيلة، وإلا للاكته الألسن طوال حياته خارج السجن.
لم يهنأ، ثابت كثيرًا خارج السجن، ولا أعرف إذا كان المجتمع التزم بما عليه من للصفقة غير المعلنة، التي التزم بها ثابت، ومُنح شقة وعروسة شابة، أمّ لا، ولكنه فارق الحياة بعد شهرين من الإفراج عنه، بسكتةٍ قلبيةٍ حادة، ليخرج من الدنيا، كما دخلها، ولم تكن المئتي ألف يوم التي قضاها خلف القضبان، سوى منحته التي أعطيت له ليفكر في شؤون الدنيا، ويستنتج، أخيرًا، بأنه كان ضحية جهل مقيم.
قبل خروجه من السجن، وظهوره على الإعلام، لم يعرف باسم كمال ثابت، سوى قلة، بعكس لو كان سجينًا سياسيًا. السجناء السياسيون ومؤيدوهم هم الأعلى صوتا، وتهتم بهم منظمات حقوق الإنسان المحلية والإقليمية والعالمية، بخلاف الجنائيين.
محليا، أتساءل عن مسؤوليات السلطة الفلسطينية تجاه، المساجين الجنائيين لدى دولة الاحتلال، وأسأل الرأي العام المحلي عن عدم اهتمامه بظروف اعتقال المساجين الجنائيين في السجون الفلسطينية.
لا أذكر بأنني قرأت، تقريرًا عن ظروف هذه السجون، صادر عن مؤسسات حقوقية، وما أكثرها..!
ليرحم الله، أقدم سجين في العالم، لعله يجد، هناك، عالما بدون سجون..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق