أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 28 أكتوبر 2018

هذا ما تفعله الشعوب؛ تواصل اختراع نفسها..!



لا أعرف لماذا أثار كتاب شلومو ساند (اختراع الشعب اليهودي) كل هذه الضجة. عادة أتجنب قراءة الكتب التي يصحبها ضجيج، خصوصا إذا كان الاهتمام صحافيا تسطيحيا أو شعبويا، وأعود إليها إلا بعد فترة، وهو ما حدث مع كتاب ساند الذي صدرت طبعته العربية عن مركز مدار في رام الله قبل أربع سنوات.
في الواقع، لم يأتِ ساند بجديد، وإن كان لا بد من الإشادة بصرامته العلمية، ومنهجه البحثي، الذي يناسب أستاذ التاريخ في جامعة تل أبيب المرموقة.
وبعض ما ذكره ساند، هو معروف على مستوى الاكاديميا الإسرائيلية، بفضل جهود الكثيرين ومنهم زملاء له في جامعة تل أبيب، فيما يمكن تسميتها المدرسة أو الحلقة التل أبيبية مثل، حاييم هرتسوغ، الذي لم يتوقف الناشطون العرب على الفيس بوك من اقتباس مقالة صحافية له تعود إلى تسعينات القرن الماضي حتى الآن (بغض النظر عن الأمانة في الاقتباس) ومثل إسرائيل فلكنشتاين، وتندرج أبحاث المدرسة التل أبيبية فيما يسمى دراسات ما بعد الصهيونية، وتشكل أبحاث هيرتسوغ، وفلنكشتاين، وساند، محاولات لإنقاذ الصهيونية التي شاخت من مأزقها.
 ما تفعله الشعوب هو في الواقع أنها تخترع نفسها، وهو ما يراه ساند في نجاح الحركة الصهيونية، في إيجاد قومية إسرائيلية في حدود فلسطين الانتدابية. وتعيد الشعوب أيضا اختراع نفسها، وهو ما حدث مع الوجود العربي-الإسلامي في فلسطين منذ القرن السابع، من التوقير للوجود اليهودي فيها وفق الرواية التوراتية، حيث جرى تبني هذه الرواية، وأسلمة قادة وأنبياء وقضاة بني إسرائيل، ونعلم الآن أكثر من أي وقت مضى، أن كل ذلك اعتمد على الكتاب المقدس وهو كتاب أدبي في الأساس، وليس كتابا تاريخيا، وجرى تطوير النظرة الأسطورية إلى فلسطين، كما سيظهر لاحقا، في أدب الفضائل، واختراع ثيمة العدل المثالية، بدون أي أساس واقعي، مثل ما يروج عن ما يسمى العهدة العمرية، وتجنب الإشارة إلى ما سماها ابن القيم الجوزية الشروط العمرية في فتح البلدان، إلى الدين الشعبي، والعثمنة، فالعربنة، فالسورنة (من الهوية السورية)، فالاردنة، والفلسطنة، والركون إلى التعريف التوراتي حول الأصل الكنعاني، وتبني حدود فلسطين الانتدابية باعتبارها، فلسطين التاريخية، وصولاً إلى مصطلحات تخدش الهوية في زمن الأرخبيل المكون من نحو 200 غيتو في الضفة الغربية (وهو مصطلح هوياتي حديث فرضته الهزيمة)، وفصل القدس، وقطاع غزة، كمصطلح عرب إسرائيل، واشتاخيم، وضفّاوي، وغزّاوي.
الهوية هي استجابة لتحديات، ومن المؤسف انه لا مفكرين فلسطينيين، يمكن لهم تقديم مفهوم جديد للهوية، خارج الصناديق المغلقة، والمبتذلة، من كثر ما سُحب منها من كلام وشعارات.
ما يفعله أكاديميون إسرائيليون مثل ساند أنهم يناقشون قضايانا وقضاياهم، بل تبدو أن قضايانا هي مجال نقاشات داخلية إسرائيلية، وهو ما لا يفعله الفلسطينيون..!

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق