أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 25 فبراير 2018

غزال منال محاميد الشارد في الذاكرة الفلسطينية









في عام 2015م، شاهدت الفنانة منال محاميد، في حديقة الحيوانات في حيفا، غزالا مبتور الساق، وهو ما يمكن أن يثير المشاعر لدى فنانة مرهفة مثلها، ولكن المفاجأة الأكبر بالنسبة لها، عندما قرأت على اللوحة التعريفية بالغزال، ذكر اسمه العلمي بالعربية والانجليزية باعتباره (الغزال الفلسطيني) أما في اللغة ىالعبرية، فسمي ببساطة (الغزال الإسرائيلي).
وفي معرضها في جاليري بيت لحم بعنوان (أعمال قيد الإنشاء) تقدم تنويعات على ثيمة الغزال، وتقول نهاية سعادة مسؤولة صالة العرض في الجاليري، بأن محاميد ربطت الغزال بالذاكرة الفلسطينية واستهدافها من قبل الاحتلال بالتهميش والتشويه.

الهوية الفلسطينية
وحسب قيم المعرض عيسى ديبي، فان معرض محاميد، الذي يسميه مشروعها البحثي، هو في الواقع حول موضوع الهوية الفلسطينية في فلسطين المحتلة عام 1948 وعلاقة الإنسان الفلسطيني المركبة بمحيطه الطبيعي، في سياق الصراع الكولونيالي بين المواطنين الأصليين والمشروع الكولونيالي في فلسطين عام 1948، منذ النكبة وحتى حاضرنا اليوم.
ويقول ديبي، وهو فنان وباحث في الثقافات البصرية، بأن منال: "تعيد قراءة تاريخ المحيط الطبيعي الفلسطيني من خلال بحثها الفكري والبصري المتركز على أسس الصراع الثقافي والفكري مع الاستعمار كمشروع يحاول منذ مؤتمر بازل في نهاية القرن الثامن عشر وحتى اليوم، تطبيق مقولة ثيودور هرتسل: فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض. حيث تحولت هذه الفكرة إلى أسس الأجندة الكولونيالية للمشروع الصهيوني في فلسطين منذ نكبة عام 48 وحتى يومنا هذا، فالصراع ما زال يدور حول الرواية التاريخية لأصحاب الأرض مقابل النهج والفعل الاستعماري الذي ما زال يقدم للمجتمع الدولي رواية مشوهة عن فلسطين وشعبها، حيث هنا خصوصية الصراع في "الأرض الأولى" وطن الفلسطينيين التي تقع جنوب سوريا وغرب النهر".
استخدمت محاميد في معرضها مواد عديدة، واستعادت الغزال في ذاكرة الفلسطينيين، حتى في الماركات التجارية الشهيرة في زمن ما، مثل سمنة الغزالين، وشاي الغزال، وغيرها.
واعتبر ديبي بأن: "بحث منال محاميد يقدم تجربة بصرية غنية تحاول أن تفكك مكونات الرواية الكولونيالية لتحفر في دفاتر الحقيقة، ولكن هنا يجب الإشارة إلى أن محاميد تقصر المسافة الممكنة بين الفن والتاريخ، محاولة منها كباحثة أن تؤسس لنهج مفهومي للتعامل مع الحقيقة، من خلال تأزيمها للموروث "والمقدم" من خلال وضع النقاط على الحروف بشكل يذكرنا بعمق بالأعمال الأدبية التي أنتجت بعد النكبة في الساحل الفلسطيني".
ويضع ديبي، محاميد في خانة الجيل الثالث للفنانين في الأراضي المحتة عام 1948م، وأنها: "تعيد صياغة ما كتبه سلمان ناطور ورسمه عبد عابدي على مدى سنوات من خلال عملهم المشترك "وما نسينا" الذي نشر على صفحات مجلة الجديد الأدبية والفكرية التي كان يصدرها الحزب الشيوعي في الداخل، فهذا العمل يشكل أول عمل قصصي وبصري يعالج رواية النكبة من خلال مشروع مشترك لقامتين هامتين في تاريخ الثقافة الفلسطينية الحديثة بعد النكبة، ويمكن هنا أيضاً أن نربط ما فعله عابدي وناطور من فعل أدبي بصري فتح جروح النكبة مع إميل حبيبي في رواية المتشائل التي قدمت نصاً مركباً بين الحقيقة والخيال حول النكبة وحياة الفلسطينيين بعدها وخلال حدوثها، فالنكبة مستمرة منذ عام 48 ولم تتوقف ليوم واحد".
ويضيف: "إن بحث محاميد المستمر حول الطبيعة والمشهد الفلسطيني في ظل الصراع مع الاستعمار والرواية المصطنعة للمكان، يضع أعمالها وبحثها في صميم التجربة الثقافية الثورية بعد يوم الأرض، وما أسس له يوم الأرض من نهضة فكرية وثقافية في الداخل الفلسطيني، والذي نقل فلسطينيي عام 48 من نقطة الضحية إلى النضال ضد كل أشكال التمييز العنصري، ونظام الأبرتهايد الحديث في كل فلسطين، وهنا نرى أن أعمال محاميد تقوم وبشكل فعلي بإعادة لقراءة التاريخ من خلال البحث في داخل المؤسسة عن ملفات للحقيقة، وهنا استعارتها للغزال الفلسطيني تشكل مجازاً بصرياً لحالة تاريخية معقدة يعيشها فلسطينيو عام 48، ما زالت قيد البحث والفهم من قبلهم، ومن قبل الأشقاء الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 67 والمحيط العربي".
أدوات إبداعية
وقد يكون ما ذهب إليه ديبي، البروفيسور زائر في جامعة بيرمنجهام – بريطانيا محاولة مبالغ فيها لتحميل معرض محاميد، أثقالا سياسية، إلا أنه يتحدث عن الأشكال الفنية وأدواتها التي لجأت إليها محاميد: "مشروع محاميد المعروض جزء منه اليوم في جاليري باب الدير هو فصل من فصول مشروعها المستمر حول "الحقيقة" من خلال توفير جميع أدواتها الفكرية والعملية في خدمة العمل الإبداعي، نجحت محاميد  بالتحرر من مسؤولية المؤرخ؛ لكي تقدم أعمالاً بصرية بوسائط متعددة تحاول أن تناقش بها بحساسية مركبة الحالة التاريخية لمحيطها الفلسطيني من خلال اللجوء إلى الطبيعة، ولكن ليس الطبيعة المبهمة – بل من خلال محاكاتها لطبيعة مسجونة في "جنينة الحيوانات" – هذا السجن الصغير داخل السجن الكبير الذي يحاول الاستعمار أن يبني لنفسه مساحة يقدم من خلالها رواية مشوهة للمكان والزمان – فهكذا فعلت محاميد في تفكيك هذه الرواية، وإعادة صياغتها بصرياً تمكنها من أن تمتلك الرواية بحرية وتحرر مطلق من الرعب الاستعماري المستمر ومشروعه، في إعادة إنتاج وطنها في رواية مشوهة، قد فشلت مراراً. في هذا المعرض تقدم أعمالاً قيد الإنشاء، وأعمالاً في مرحلة الإنتاج لتؤسس لمشروع متحفي مطول، بدأت العمل به منال وما زالت منهمكة في البحث والعمل".
ويصاحب المعرض، فلم يظهر محاميد وهي تمسك بمجسم لغزال مبتور الساق، وتركض وهي تحمله في مواقع عديدة في فلسطين الانتدابية، وقد بدأت ركضها من شاطيء البحر المتوسط، وعندما تصل أخيرا، إلى نفس الشاطيء، لتضع الغزال، هي في الواقع تحمله مرة أخرى لتواصل الركض.
وتقول نهاية سعادة عن الفلم، وأهميته للمعرض: "هذا ما نسميه الفيديو أرت، وهو جزء من الفن المعاصر، فلم تعد فقط اللوحة التي يُعتمد عليها في هذا الفن، فهناك أيضا الفيديو، والصوت، والفن التركيبي، وأحبت الفنانة محاميد، أن تكون الأمور متكاملة فالشخص الذي يدخل يسمع أولا صوت الفيديو، ثم يشاهده، ويشاهد المعرض، من الجيد أن تكون التجربة الفنية قادرة على تشغيل جميع حواسنا، كما هو الحال في معرض محاميد".
تشعر سعادة، بالسعادة لان معرض منال محاميد، هو أول معرض لفنانة، منذ افتتاح جاليري باب الدير في شهر نيسان الماضي، والذي بدأ كفكرة من مديرته رولا دوغمان، التي أرادت استقطاب الحركة الفنية إلى بيت لحم، وكان أوّل معرض يستضيفه الجاليري، لمجموعة من الفنانين بعنوان (بيت لحم كمان وكمان)، واستقبل الجاليري تحت سقف 36 فنانا وأكثر من 80 عمل، وأعقبه معرض فردي للفنان عايد عرفة.
وتقول نهاية، بان التعاون مع فنانة من الأراضي المحتلة عام 1948م، مهم جدا، ويعني أن الأعمال الفنية قادرة على قطع الحواجز، وتقريب المسافات بين أبناء الشعب الواحد.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق