أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 17 ديسمبر 2008

ان تكون (وزيرا) في ارض محتلة

14 213 35

يعيش الفلسطينيون واقعا عجائبيا،غريبا، لا يمكن وصفه، في فلسطين الان: شهداء يسقطون كل يوم، واسرى يدخلون السجون كل يوم، وايضا رئيسا وزراء ودستات من الوزراء وقريبا رئيسين، فيما يلي تقرير كتبته عن لحظة فلسطينية في زمن مجنون.
ربما لا يحدث ذلك إلا في الأراضي الفلسطينية المحتلة، في يوم يمكن أن تكون وزيرا، وفي اليوم التالي أسيرا، فالدكتور عمر عبد الرازق، وزير المالية السابق في الحكومة العاشرة، حمل أغراضه بمساعدة ابن شقيقه ووقف ينتظر، يوم الاثنين على بوابة معتقل عوفر الإسرائيلي، في بلدة بيتونيا، للدخول من اجل قضاء خمسة اشهر في السجن.
كانت سلطات الاحتلال أفرجت عن عبد الرازق، الذي اعتقل ضمن الحملة التي استهدفت نواب ووزراء حركة حماس، يوم 3-8-2008، بعد اسر جلعاد شاليط ثم استأنفت النيابة العسكرية الإسرائيلية، وتمت إضافة خمسة اشهر جديدة وغرامة بقيمة 30 ألف شيقل، ووافق عبد الرازق على تسليم نفسه من جديد لسلطات الاحتلال، لقضاء الحكم التكميلي الجديد.
ارتدى عبد الرازق، لباسا متقشفا، على الاقل بالنسبة لـ (وزير)، وظهر على غير تلك الصورة التي عرفها عنه الإعلام بعد انتخابه عضوا في المجلس التشريعي، ومن ثم وزيرا للمالية في الحكومة التي شكلتها كتلة حركة حماس في التشريعي، وكان في بؤرة الضوء، بسبب الأزمات المالية التي عانت منها تلك الحكومة.
لم يكن الدخول إلى المعتقل، بالنسبة لعبد الرازق، مسألة سهلة، فقوات الاحتلال أغلقت بوابات المعتقل، ولم تسمح لأحد بالمرور، حتى يتم الانتهاء من إطلاق سراح الأسرى الذين تم تجميعهم في المعتقل، وتقرر إطلاق سراحهم، بعد موافقة الحكومة الإسرائيلية على طلب  أبو مازن بهذا الخصوص.
اتصل عبد الرازق بمحاميه، ليخبره بأنه ملتزم بقرار التسليم، ووصل "في الموعد" و"لم يتأخر"، وانه ينتظر، وتلقى ردا إيجابيا، فوقف ينتظر ويراقب احتفالات أهالي الأسرى بخروج أبنائهم، وإجراءات جنود الاحتلال الاستفزازية بحقهم.
أراد عبد الرازق، وهو يرى عملية الإفراج عن الأسرى أن يؤكد على موقف بإلحاح، وكأنه يريد أن يطرح موقفا متمايزا عن تلك الخطابات التي تصدر عن قيادات حركة حماس في قطاع غزة، وقال  "أطالب الرئيس عباس والاخوة في غزة، أن يفرجوا فورا عن جميع المعتقلين السياسيين الفلسطينيين، في السجون الفلسطينية سواء في الضفة أو في غزة، عيب علينا أن يظل لدينا معتقلون في سجوننا، الاعتقال السياسي مرفوض أينما كان سواء في فلسطين، أو في إسرائيل، أو في أوروبا، أو في أي مكان".
واضاف عبد الرازق، وهو يرقب فرح الأهالي بخروج الأبناء الأسرى "هل يعقل أن تفرج سلطات الاحتلال عن معتقلين، ونحن ننفذ اعتقالات؟!".
ورغم أن عبد الرازق، الأسير السابق، الذي يستعد للعودة إلى الأسر من جديد، أبدى فرحا لخروج العشرات من الأسرى، إلا انه تحفظ على مسألة انهم من فئة سياسية معينة، قائلا "هذا من مآسي ما سمي بالعملية السياسية، وخصوصا، فيما يتعلق بالفريق المفاوض"..
وردا على سؤال حول الانتقادات التي يوجهها للفريق المفاوض بشأن عملية إطلاق سراح الأسرى هذه، قال عبد الرازق "انتقد الفريق المفاوض لأنه سلم اختيار أسماء المعتقلين للجهات الإسرائيلية، والتحكم بالمعايير، وهذا شيء مؤلم جدا، ولكن في النهاية نفرح لأي فلسطيني يخرج من السجن، لأنه يخرج من المعاناة".
وحول المناخ الذي يخيم على الوضع الفلسطيني الداخلي، قال عبد الرازق "هذه مأساة العصر، أتمنى أن نتعالى على جراحنا ونتحاور حوار مسؤول، ونتوصل إلى الوحدة الوطنية الشاملة".
وردا على سؤال حول كيف يرى المستقبل المنظور والتعامل مع ما اصبح يوصف بأزمة 9 يناير، حيث تصر حماس على عدم الاعتراف بشرعية الرئيس أبو مازن، قال عبد الرازق "أنا مطمئن انه قبل 9-1، سيكون هناك نوع من الحوار الهادىء، لإنهاء مأزق 9-1".
*هل لديك معلومات بشأن ذلك أم أنها مجرد تمنيات؟
-"نعم توجد لدي معلومات، ولكن ليست تفصيلية كثيرا".
*كيف ترى لاسلوب التهجم غير المسبوق والشتائم في الساحة الفلسطينية؟
-"هذا شيء مؤسف، ويدمي القلب، يجب أن نترفع بكلماتنا، ونتصرف كقادة، وليس كمتناكفين كطلاب في جامعة، أو متناكفين في شارع".
*هل تحمل رسالة للأسرى، من الخارج؟
- سأنقل لهم الوضع كما يعيشه الشعب الفلسطيني بأمانة، واحمل لهم تحيات اخوتهم واقول لهم بأنهم ثابتون بدعمهم، واطمئنهم انه توجد اخبار سارة في المستقبل القريب، سواء في ملف المصالحة، أو ملف الأسرى".
*لماذا أقدمت على تسليم نفسك، هل فكرت بالمطاردة؟
-في الواقع أنا لست جاهزا للمطاردة، ولا أظن أن الأمور تستقيم أن يكون المرء نائبا ومطاردا في الوقت ذاته.
*هل تشعر بصعوبة وأنت تتقدم بنفسك لتدخل المعتقل؟
-السجن ليس مشكلة، ولكنها مسألة البعد عن الأقارب والاخوة والأحباب، إطلاق سراحي كان قدرا من الله، وكذلك اعتقالي من جديد، عندما أطلق سراحي، لم يكن أحد في الدنيا يتوقع ذلك، فأنا ملفي الأصعب من سائر ملفات النواب المعتقلين، فأولا أنا مرشح ضمن قائمة التغيير والإصلاح، وعضو مجلس نواب، ووزير مالية، ويعتبر هذا أهم منصب".
مع اقتراب دخول عبد الرازق عبر بوابة السجن، وفي أجواء التوتر حضرت النكات، ومن بينها ما قاله الوزير السابق، والأسير الحالي:
بالأمس كنا نغير من محطة إلى أخرى لنتابع حكاية الحذاء، ولنرى لعله أصاب بوش، إذا لم يحدث في المحطة التي نراها، فربما يكون الحذاء وصل في المحطة التالية".
ثم دخل عبر البوابة الرئيسة إلى بوابة أخرى، واخضع لفحص دقيق، لن يكون الأخير، لان مشواره عبر بوابات عوفر لم ينته بعد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق