أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 18 ديسمبر 2008

فردتان في وجه الامبراطور

214

انتمي لشعب، وطات أقدام الفاتحين والمحتلين رقابه، على الأقل منذ اكثر من سبعة آلاف عام..


قريتي (عزيقة) تغير اسمها مرات لا اعرف عددها، هذه المدينة الحصينة في السهل الساحلي الفلسطيني، أصبحت في فترة ما من العصر البيزنطي بيت زكريا، ولدى العرب، الذين خاضوا بقربها معركة اجنادين الحاسمة، زكريا البطيخ، ثم زكريا، وفي العصر الإسرائيلي الجديد من أسمائها زخاريا.


رمسيس الرابع وقبله وبعده من فراعنة قادوا حملات تأديبية ضدها، وسنحاريب دمر أسوارها وأبراجها "الممتدة نحو السماء"، بشكل لا يمكن تصوره إلا من خلال البقايا الأثرية في الموقع، وسبى ناسها، وتظهر المكتشفات الأثرية (التي كشف عنها أولا عالم الآثار يارد) في العراق، هؤلاء مع أسرى لاخيش (تل الدوير) مدينة السهل الساحلي البهية، يمرون في حالة ذل أمام الإمبراطور العظيم.


في كل هذه الغزوات حاول اليهوذيون سكان عزيقة ومرتفعات السهل الساحلي المقاومة، وليس ابرز من ذلك ما اكتشف في لخيش من إشارة يبدو أنها الأخيرة تم تبادلها بين غرفتي عمليات المقاومة في عزيقة ولاخيش قبل الدمار الأخير.


تشي الرقاقة التي يبدو أنها موجهة لقائد المقاومة في لاخيش من برج مراقبة متقدم، بالإحساس المقبل بالدمار النهائي "قل لسيدي بأننا نترقب إشارات لاخيش، طبقا لكل الإشارات التي أعطاها سيدي، لأننا لا نرى عزيقة"


كانت عزيقة تحرق هذه المرة على يد البابليين، ولتكون مع لاخيش أخر مدينتين في السهل الساحلي تصمدان في وجه الدمار البابلي النهائي.


هؤلاء الذين اكتشفوا التوحيد، ضمن عملية طويلة ومعقدة (ففي عزيقة عثر على أحد النصوص المثيرة التي تربط الإله يهوذا بالآلهة عشتار العارية)، قدر لهم أن يخطوا فيما بعد الكتاب الأكثر تأثيرا في تشكيل وجدان العالم القديم والحديث.


الثورات لم تتوقف في العصر الروماني، وقاد أباطرة روما بأنفسهم عمليات تأديب كبيرة، اشهرها هدم مدينة القدس، وبناء ايليا كابتلوينا، التي وصلها العرب في العصر البيزنطي وهم يسمونها (ايلياء).


وفي العهد الجديد دفعت عزيقة ثمنا لا يمكن أبدا معرفة مدى فداحته، الا من خلال البقايا الفسيفسائية البيزنطية الباقية من كنيسة زكريا، بالغة الاهمية، كما تظهر في خارطة مادبا الفسيفسائية، والتي اقيم عليها مقام ومسجد النبي زكريا.


يمكن تقدير ان التحول الذي حدث، من الديانة المسيحية الى الاسلام القوي الجديد، لم يكن ان يتم بـ "سلاسة"، مع سيطرة الارستقراطية القرشية، و"اختفاء" سكان عزيقة، ليظهر فيها اناس "جدد".


لم يرفع الحذاء ابدا عن رقاب شعبي: الامويون، الذين حولوا القدس غرفة عمليات لمؤامرتهم على الخليفة الشرعي ارتكبوا المجارز، وقمعوا التمردات، والعباسيون ذبحوا الامويين، ولو كانت مياه نهر العوجا تنطق لتحدثت عما جرى، وكرت السبحة، سقطت القدس، في يد الصليبيين، من الحامية الفاطمية المتهالكة، وذبحوا 100 الف فلسطيني (وفقا للمصادر الصليبية)، ولا اعرف اذا مارسوا طقس اكل لحوم البشر، كما فعلوا في المعرة مثلا، او حتى فيما بينهم اما لا.


ولا اعرف كم واحد من عائلتي، حشر مع المحاصرين في القدس، وسالت دمائه، هذه المرة باسم الصليب، واستمرت انهر الدماء مع كل غاز وفاتح ومحتل وعميل اقليمي يحكم من مصر او دمشق لقوى كبرى.


ولا اعرف كم مرة كان على سكان عزيقة ان يغيروا دينهم، وسيكون من الصعب معرفة عدد الالهة التي عبدوها، او فرضت عليهم، ولكن كل ذلك لم يساعد ابدا على نهوضهم وتطورهم، فما ان دخل الجنرال اللنبي القدس قائلا "الان انتهت الان الحروب الصليبية"، حتى كان الناس منهكين مذلين اميين ينوئون بثقل تاريخهم الطويل الدموي: من حصار وغزو وسبي وقتل وحرق وتدمير واغتصاب نساء.


بعد كل ذلك هل تستكثرون علينا ان يرشق واحد منا، من هذا الشعب المذل المهان طول قرون، الامبراطور الاميركي بفرديتي حذائه.


وعندما حملنا السلاح، وصفنا بالارهابيين، وعندما فجرنا انفسنا، اصبحنا انتحاريين..


فردتان  في وجه الوالي، والعشار، والاغا، والباشا، والبيك، والرئيس، ومنظمات "الحرير"، والبصاص، ورئيس البلدية، والناطق الاعلامي، وعضو المكتب السياسي، والامين العام، والزعيم الملهم، والزعيم الرمز..


فردتان في وجه الزمن المائل..

هناك تعليقان (2):

  1. تحيتي لك ايها الزكراوي الأصيل سليل شعب الجبارين ..

    ردحذف
  2. العزيز عيسى عمدة الشعب الزكراوي الاصيل
    تحية...وبعد
    كل عام وانتم بخير

    ردحذف