أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأحد، 17 فبراير 2008

قبر النبي يوسف

يقع مقام يوسف الإسلامي، بالقرب من المنازل السكنية في قرية بلاطة المجاورة لمدينة نابلس، ولا يشير الهدوء الذي يحيط في المكان، إلى انه شهد اكثر المواجهات دموية بين متظاهرين فلسطينيين وجنود الاحتلال في بداية انتفاضة الأقصى.وارتبط المقام، لفترة طويلة، وغير معروفة بمعتقدات شعبية إسلامية، باعتباره مقام لرجل صالح، ولكن بعد الاحتلال الإسرائيلي في عام 1967، اصبح مقصدا للمتدينين اليهود باعتباره مقام النبي يوسف الصديق، وفي تشرين الأول (أكتوبر) 2000، مع اندلاع انتفاضة الأقصى جرت في محيط المقام مواجهات عنيفة أسفرت عن سقوط نحو 30 فلسطينيا، وعدد من جنود الاحتلال الذي يسيطرون على المقام.وأدت هذه المواجهات إلى حرق المقام، وتهدم أجزاء منه، وخلال سنوات الانتفاضة، عاد المستوطنون اليهود بحماية الجيش الإسرائيلي إلى المقام اكثر من مرة، وخلال الفترة الأخيرة، كانت مجموعات من المستوطنين المسلحين يتسللون إلى المقام واداء شعائر دينية تحت حراب السلاح.وتحول المقام الان إلى مصدر جديد للتوتر، مع تزعم ايهود اولمرت، رئيس الوزراء الإسرائيلي، لجهود إسرائيلية من اجل إعادة السيطرة على المقام، ضمن ما يعتبره الفلسطينيون صراعا على مرجعيات ثقافية تخصهم ويسعى الاحتلال إلى سلبهم إياها.ويعتقد الفلسطينيون أن إثارة موضوع المقام الان، يأتي ضمن خطة مبرمجة إسرائيلية يهودية، وفي الأسبوع الماضي، اتصلت القنصلية الفرنسية بالقدس، بالسلطة الفلسطينية المحلية في نابلس، وطلبت منها ترتيب زيارة إلى المقام للحاخام الأكبر للجالية اليهودية الفرنسية واسمه يوسف سيتروك، فاعتذرت السلطة لأنها تدرك صعوبة الأمر من ناحية أمنية، ولأنها لا ترغب بفتح موضوع المقام الجالب للمتاعب من جديد.ولكن الحاخام الفرنسي لم يستسلم، ولم ينتظر موافقة السلطة الفلسطينية صاحبة السيطرة الاسمية في مدينة نابلس، فدخل إلى المقام متسللا في الليل مع مجموعة من رفاقه الحاخامات الإسرائيليين، وبحماية من الجيش الإسرائيلي، الذي يحاصر مدينة نابلس بالحواجز العسكرية، والأبراج العسكرية.وكانت زيارة الحاخام الفرنسي لمقام يوسف، مناسبة لطرح موضوع المقام من جديد بالنسبة لأوساط إسرائيلية، فقدم العشرات من أعضاء الكنيست عريضة إلى اولمرت دعوه فيها إلى مطالبة السلطة الفلسطينية بترميم مقام يوسف "الذي دمر على أيدي فلسطينيين"، وبين موقعي العريضة رئيس حزب شاس الوزير في الحكومة الإسرائيلية ايلي يشاي، وزعيم المعارضة النائب الليكودي بنيامين نتنياهو.  وتبنى اولمرت الموضوع وقال بان إسرائيل قررت مطالبة الفلسطينيين بترميم ضريح سيدنا يوسف، واشار إلى انه أوعز لوزير دفاعه أيهود براك باتخاذ الخطوات اللازمة بهذا الشان، وأضاف أن الموضوع سيكون مدار بحث خلال المحادثات مع رئيس الوزراء الفلسطيني سلام فياض.وقال اولمرت بتأثر "يوسف الصديق يشكل بالنسبة لنا رمزا لمواجهة الأوضاع الصعبة من خلال الإيمان العميق والقدرة على قلب الأوضاع وتحويلها إلى أداة للتقدم إلى الأمام".وتدخل الاتحاد الأوروبي في الموضوع، وطالبت جهات أوروبية من السلطة الفلسطينية السماح بترميم مقام يوسف، ليعود كما كان جاهزا لاستقبال المتدينين اليهود.والتدخل الأوروبي فيما يجري في نابلس ليس جديدا، وخلال الأشهر الماضية زار المدينة جنرالات وضباط أمن من أوروبا وأميركا لترميم أجهزة أمن السلطة. واعلن الجيش الإسرائيلي بأنه سيزيد من عدد الزيارات التي اسماها مشروعة لمقام يوسف موفرا الحماية لها، مطالبا المستوطنين بوقف التسلل إلى المقام، كي لا يكونوا في مواجهة ظروف أمنية صعبة. وفي مواجهة هذه الهجمة الإسرائيلية غير المتوقعة لاستعادة مقام يوسف، ليس لدى الفلسطينيين الضعفاء الكثير ليفعلونه، فإسرائيل تستطيع إدخال من تريد للمقام مثلما فعلت مع الحاخام الفرنسي، ومثلما تفعل بشكل شبه يومي من اجتياحات واغتيالات تنفذها في نابلس.وفي ردات فعل غريبة أخذت شخصيات فلسطينية، بما فيها دينية مثل قاضي القضاة، التقليل من أهمية مقام يوسف، والإشارة إلى انه لا يمت أبدا بصلة بالنبي يوسف الصديق، وان قبر لشخص غير معروف ولا يشكل أية أهمية دينية لاحد.ولكن الإسرائيليين غير معنيين بمثل هذا الخطاب، فالأمر بالنسبة لهم محسوما، ولا يغير من حقيقة كون المقام إسلاميا أي شيء لديهم، خصوصا وانهم اعتادوا السيطرة على مقامات إسلامية وتحويلها إلى مرجعيات ثقافية دينية، والأمثلة اكثر مما تحصى، ورافق ذلك التحول عمليات تدمير لارث ثقافي فلسطيني ذو طابع عالمي، مثلما حدث في مقام النبي صموئيل غرب القدس، حين هدمت السلطات الإسرائيلية قرية فلسطينية بأكملها بمنازلها الأيوبية والمملوكية، ودمرت آثار رومانية وبيزنطية، من اجل السيطرة على المقام.وحدث أمر مشابه فيما يتعلق بقبر الشيخ السعدي في حي الشيخ جراح بمدينة القدس، الذي حوله الإسرائيليون إلى قبر شمعون الصديق.وتجري الان عملية تهويد للحي العربي، الذي يقع خارج أسوار بلدة القدس القديمة، واخذ الحي اسمه من الأمير حسام الدين بن شرف الدين عيسى الجراحي، طبيب صلاح الدين الأيوبي.وتسكن الان سبع عائلات يهودية في الحي، في منازل تم طرد سكانها الفلسطينيين منها، وتزعم عملية الطرد عضو الكنيست بيني ايلون عندما كان وزيرا للسياحة، وتم ذلك في شهر نيسان (أبريل) 2003.ويعود الان ايلون إلى الواجهة مع مخطط جديد، بالاستيلاء على 18 دونما بالقرب من قبر شمعون الصديق، ووفقا لهذا المخطط كما أعلن عنه أيلون، وطرح على لجنة التنظيم والبناء المحلية في بلدية القدس، فانه سيتم إقامة 200 وحدة سكنية.وقال أيلون بوضوح بأنه من اجل تنفيذ المخطط "ينبغي هدم المنازل الفلسطينية الموجودة في الحي، ووجوب ضم المناطق المفتوحة هناك إلى خطة البناء المقترحة". والهجمة الإسرائيلية المكثفة التي لا تهدا على الإرث الثقافي الفلسطيني، لا تقف عند حد السيطرة عليه وتغيير هويته، واستغلاله لتنفيذ مخططات استيطانية، ولكن أيضا بتنفيذ اعتداءات عليه مثلما حدث على مسجد تاريخي عمره 700 عام يحمل اسم (مقام الحميدية) ويقع في خربة أثرية جنوب القدس تحيط بها عدة مستوطنات يهودية مثل مستوطنة اليعازر التي أقيمت عام 1976، ومدينة افرات الاستيطانية التي أقيمت عام 1979، ومستوطنة دانيال التي أنشئت عام 1982، بالإضافة إلى بؤر استيطانية أخرى.والخربة هي قرية كنعانية قديمة تدعى (فاغور)، تحوي بقايا أثرية رومانية، بالإضافة إلى منازل مهدمة مبنية وفقا للعمارة الفاطمية والمملوكية.ويقول الشاب إبراهيم داود موسى الذي تملك عائلته أرضا في المكان للشرق الأوسط بأنه "في عام 2004 رممنا المسجد، واخذنا بترميم المنازل القديمة المهدمة، ويبدو أن هذا أثار حفيظة المستوطنين، فاقدموا على حرق المسجد".ويضيف موسى وهو يشير إلى أثار الحريق "بعد الحادث وصلت قوات كبيرة من جنود الاحتلال الذين يمنعونا في العادة من الوصول إلى المسجد، ووصل أيضا قائد المنطقة الوسطى الإسرائيلي، واقر بمسؤولية المستوطنين عن الحريق، ولكن لم تتخذ أية إجراءات ضدهم".وليست لدى موسى أية أوهام في أن الجيش الإسرائيلي سيلاحق المستوطنين الذين حرقوا المسجد، ولكنه يشير إلى مفارقة إعلان هذا الجيش معرفة الجناة، دون أن يلاحقهم.وإذا كان المستوطنون في بعض الحالات هم من يلجاون إلى تدمير المواقع الأثرية والدينية، فان السلطات الإسرائيلية الرسمية تفعل ذلك في معظم الحالات، واخرها قرارها بهدم مسجد قرية أم طوبا التاريخي جنوب القدس، والذي يعود إلى الفترة الأيوبية- المملوكية، واستمر استخدامه وتعميره طوال الفترة العثمانية حيث خضع لعمليات ترميم في القرن الماضي، ويعتبر المسجد من المعالم التاريخية الهامة بجوار القدس.وأدانت الدكتورة خلود دعيبس وزيرة السياحة والآثار في السلطة الفلسطينية، قرار هدم المسجد الذي يزيد عمره عن 700 عاما وقالت للشرق الأوسط بان هذا القرار يأتي "في سياق الاستهداف المتعمد للتراث الثقافي الفلسطيني في القدس وباقي الأراضي الفلسطينية المحتلة".ودعت دعيبس إسرائيل "إلى وقف اعتدائها على مسجد أم طوبا التاريخي، وإلغاء هذا القرار الجائر فورا والتوقف عن استهداف الأماكن الثقافية والتاريخية والدينية واحترام مسؤولياتها كقوة محتلة بموجب القانون الدولي، وخصوصا الاتفاقية الدولية لحماية الممتلكات الثقافية أثناء النزاع المسلح لسنة 1954 واتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949 والاتفاقية الدولية لحماية التراث الثقافي العالمي لسنة 1972 والاتفاقية الدولية لمنع التدمير المتعمد للتراث الثقافي لسنة 2003". وأهابت دعيبس بـ "منظمة اليونسكو ومديرها العام ومركز التراث العالمي والايكوموس الدولي ومركز الايكروم والمدارس الأثرية في القدس والمؤسسات الأثرية في العالم لإدانة هذا القرار والدعوة الفورية لوقف هذا الاعتداء الموجه ضد هذا المبنى التاريخي والديني، وإلزام إسرائيل على القيام بواجباتها بموجب الاتفاقيات الدولية في حماية التراث الثقافي للشعب الفلسطيني". ويبدو أن لا أحد يريد أن يسمع مثل هذه النداءات، فتستمر إسرائيل في استهدافها للمعالم الأثرية والدينية والتاريخية الفلسطينية، في ظل صمت عالمي غريب ومقلق.  http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issueno=10669&article=458297&feature=1

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق