أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الاثنين، 31 ديسمبر 2007

نقاش إسرائيلي لمحاصرة محمية فلسطينية

ليست فقط القرارات الكبيرة والمعلنة، هي التي تحدد مصير الأراضي الفلسطينية المحتلة، ولكن التفاصيل التي تبدو صغيرة، هي التي قد تكون لعبت الدور الأكبر، في مخططات الاحتلال الإسرائيلي المعلنة والمضمرة، في تهويد الأراضي الفلسطينية. وبينما تهتم وسائل الإعلام عادة بأخبار المفاوضات التي لا تنتهي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، أو أعمال العنف والقتل اليومية، فان السلطات الإسرائيلية تنفذ على الأرض خططا وضعها خبراء الأمن والاستراتيجية، بمعزل عن أية تطورات أو اخفاقات سياسية.

وخلافا لما تعلنه أو تنفيه المصادر الإسرائيلية، عن وقف أو تجميد الاستيطان أو الجدار، فإنها مستمرة في تنفيذ الخطط الموضوعة، لإحداث وقائع على الأرض يكون عادة من المستحيل التراجع عنها. وهو ما يحدث الان في إحدى أهم المواقع الفلسطينية البيئية والأثرية، والمعروفة باسم وادي القلط، الذي يقع في البرية بين مدينتي القدس واريحا، ويمتد بطول 45 كيلو مترا. وتسيطر إسرائيل بشكل كامل على الوادي، وأعلنته محمية طبيعية، وتنظم دخول الإسرائيليين والسياح إلى المنطقة التي يتجنب الفلسطينيون الوصول إليها، بسبب الإجراءات الإسرائيلية الأمنية في المكان.


ولكن السيطرة الإسرائيلية العسكرية المطلقة في المنطقة، يبدو انها غير كافية بالنسبة لإسرائيل، التي تريد إقامة ما تسميه سياج أمني حولها، لاحكام السيطرة عليها، ومنع أي فلسطيني ليس من الوصول الى المنطقة، ولكن ايضا من التفكير بالذهاب إليها، ولكنها وهي تفعل ذلك، فإنها قد تمنع وصول الحيوانات وربما الطيور، التي تعتبر منطقة الوادي موئلا مهما لها، وهو ما أثار نقاشا داخليا إسرائيليا، من اجل تحقيق معادلة حصار المنطقة وفي الوقت ذاته السماح للحيوانات البرية الدخول إليها.


ولم تأت الاعتراضات على مخطط السياج حول وادي القلط من المفاوضين الفلسطينيين، المتهمين من قبل مواطنيهم بأنهم غير مؤهلين لطرح القضايا الخاصة بهؤلاء المواطنين، ولكن من جمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية، التي تحالفت مع اللوبي من اجل البيئة في الكنيست، من اجل تغيير مخطط الحصار الإسرائيلي لوادي القلط.


وتمكن هذا التحالف بين الجمعية واللوبي البيئي في البرلمان الإسرائيلي، من تجميد أعمال بناء السياج الأمني حول وادي القلط، ويؤكد خبراء جمعية حماية الطبيعة الإسرائيلية انه من الممكن نصب ما أسموها "أجهزة ردع إلكترونية" في المنطقة، مؤكدين انه ليست هناك أية ضرورة لاقامة عوائق قد تلحق أضرارا جسيمة بالبيئة. وأثمرت جهود التحالف، في إعلان الأجهزة الأمنية الإسرائيلية أنها ستدرس خطتين لحصار منطقة وادي القلط، بديلتين للخطة الأصلية.


والخطة الأولى قدمها المختصون في الجيش الإسرائيلي، وتقترح أن يمر مسار السياج العازل قرب وادي القلط، أما الخطة الثانية التي قدمتها جهة رسمية هي سلطة المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية فتقترح إقامة عوائق في منطقة تبعد عن المنحدرات الصخرية في الوادي، وذلك لتمكين الحيوانات من التجوال في منطقة أوسع.


ولكن الخطتين لم تروقا لجمعية حياة الطبيعة الإسرائيلية، التي لا ترى في أي من الخطتين حلا ناجعا لما اصبح يعرف بقضية الحيوانات البرية، فالخطة التي قدمها الجيش الإسرائيلي، لا تختلف عن الخطة الأصلية لحصار الوادي بالآسيجة والأسلاك، أما خطة سلطة المحميات الطبيعية والحدائق الوطنية التي تشرف الان على محمية وادي القلط، فإنها لا تحل أيضا مشكلة الحيوانات، وانما تحصر نطاق تحركها ومعيشتها في مساحة محددة، وتؤكد الجمعية على مقترحاتها بوضع أجهزة ردع إلكترونية، وتقول بان هذه الاجهزة ستقوم بالعمل المطلوب أمنيا، وفي الوقت ذاته فإنها تسمح بحرية الحركة للحيوانات البرية، ولا تقيدها أبدا، وتجعلها تبقى حرة في الدخول أو الخروج إلى ومن الوادي في أي وقت تريد، وبدون أية عوائق، وبدون أن تشكل أية مخاطر على أمن إسرائيل.


ومن المتوقع أن يستمر النقاش ويحتدم، رغم انه يتوقع أن يكون الرأي الغالب هو رأي الجيش الإسرائيلي، الذي له الكلمة الأولى والأخيرة في إسرائيل فيما يخص ليس فقط الشؤون الأمنية، ولكن أيضا شؤون أخرى.


ولا يميز الجيش الاسرائيلي بين الفلسطينيين الذي يرى وجودهم في الوادي خطرا امنيا، وبين الحيوانات، ولا يهمه وهو يمنع الفلسطينيين من الوصول الى الوادي، ان يمنع ايضا وصول الحيوانات اليه ايضا، وهو ما يثير غيظ جمعية حماية البيئة في اسرائيل، من هذا الجيش الذي لا يميز بين الفلسطينيين والحيوانات. ويتميز الوادي بجماله والوان منحدراته الصفراء، والحمراء، والبركانية، وتحيط به جدران صخرية عالية ترتفع في بعض المناطق إلى أكثر من 100 متر.


وفي أوكار ما يمكن أن نطلق عليه اسم جدران، تعشش النسور والصقور والعصافير وتجد الطيور المهاجرة فيه ملاذا لها، حتى تقرر عودتها إلى مواطنها في أوروبا الباردة. وتوجد في الوادي ثلاث عيون تحيل البرية القاحلة إلى نهر، وتتجمع فيه المياه الآتية من جبال القدس ورام الله وتسير فيه حتى تصب في نهر الأردن والبحر الميت.


ويقصد الوادي لممارسة رياضة تسلق الجبال والمشي، وتحيط به معسكرات للجيش الإسرائيلي، وكذلك مستوطنات يهودية، ومارست سلطات الاحتلال ما وصف بأنه تطهير عرقي بحق العشائر البدوية التي تعيش في المنطقة، وطردت أفرادها الذين يعيشون في المكان منذ مئات السنين، من اجل تنفيذ مخططات عسكرية أو استيطانية.


ومن معالم الوادي البارزة، والذي يشكل مقصدا سياحيا هاما، هو الدير الأرثوذكسي القديم، الذي يبدو وكأنه حفر في جدران الوادي.


http://www.elaph.com/ElaphWeb/Politics/2007/12/292149.htm

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق