أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الأربعاء، 12 ديسمبر 2007

قلائد فلسطينية

يجمع الفنان الفلسطيني يوسف الشرقاوي (60 عاما) العملات الفلسطينية القديمة، خصوصا تلك التي تحمل اسم فلسطين وسكّت في زمن الانتداب البريطاني، ويحولها إلى قطع فنية.

ومن اجل ذلك، يتصل بشرائح فلسطينية واسعة، للحصول على القطع النقدية. وهي مهمة ليست بالسهلة، خصوصا وان الاجراءات الاسرائيلية تحد كثيرا من امكانية تنقل الفلسطينيين داخل بلادهم.

ولا يخفي الشرقاوي «الهدف الوطني» من وراء عمله، خصوصا وانه ليس فنانا محترفا، وأمضى القسم الأكبر من حياته مناضلا في صفوف المقاومة الفلسطينية، وخاض حروبا عديدة. وبعد اتفاق أوسلو، وتأسيس السلطة الفلسطينية، لم يتمكن من التماهي مع سياسة السلطة، ففضل الابتعاد، واتخاذ جانب المعارضة والاهتمام اكثر بالمواضيع ذات الطابع الثقافي والفني.

وإضفاء صفة الوطنية الفلسطينية، على العملات التي سكتها حكومة الانتداب البريطاني على فلسطين، شائعة بين الفلسطينيين الان، بسبب وجود اسم فلسطين على هذه العملات، رغم أنها وقت سكها ناهضتها الحركة الوطنية الفلسطينية، والحركة الصهيونية، وللاثنتين أسبابهما. فالأولى رفضت إضافة حرفين من اللغة العبرية، وضعا بين مزدوجين يشيران إلى (ارض إسرائيل)، أما الحركة الصهيونية فكافحت هذه العملات لأنها تجاهلت مطلب وضع كلمتي (ارض إسرائيل) بشكل واضح وكامل على العملات، واستبعاد اسم فلسطين.

وخاضت الحركة الوطنية الفلسطينية نضالا واضرابات، واعتبرت اضافة الحرفين العبريين، جزءا من مهمة الانتداب البريطاني لتحويل فلسطين الى وطن قومي لليهود كما نص عليه «الوعد المشؤوم» لبلفور.

وما حدث للعملة، انطبق على الطوابع التي أصدرتها سلطات الانتداب البريطاني، ورفضتها الحركة الوطنية الفلسطينية، وأصدرت في حينه طابعا رمزيا يخلو من الحرفين العبريين، وكتب عليه (فلسطين للعرب)، وزعته على السكان.

وفي ظروف بحث الفلسطينيين، عن أي شيء يؤكد هويتهم انتشرت بينهم، منذ سنوات ما يمكن تسميتها هواية جمع الطوابع والعملات الانتدابية لوجود اسم فلسطين عليها. وهو امر له اهميته الكبيرة بالنسبة لشعب محتل مثل الشعب الفلسطيني.

وبدا مألوفا، أن يدخل الزائر إلى بيت ويجد فيه صورة للجنيه الفلسطيني وقد تم تأطيرها في برواز وكتب عليها ما يشير إلى أنها مهر صاحبة المنزل.

ويحاول الشرقاوي أن يضفي أبعادا جمالية، على العملات الفلسطينية القديمة، وهو ما نجح فيه إلى حد بعيد، وأصبحت قطعه الفنية مثار اهتمام أوساط فنية فلسطينية في الداخل والخارج.

وقال الشرقاوي لـ «الشرق الأوسط» ان فكرة تحويل العملات الفلسطينية إلى قطع فنية جاءته بالتدريج: «كنت دائما ابدي اهتماما بهذا النوع من الفن، الذي لم يقتصر على العملات، ولكن أيضا على أشياء أخرى فلسطينية قديمة، مثل الزجاج الروماني المستخرج من تحت الركام، بعد أن مكث تحتها آلاف الأعوام. والتقى هذا الاهتمام، مع سعيي لاحياء ما تيسر لي من التراث الفلسطيني، واحياء ذاكرة آخذة في التراجع، نتيجة ظروفنا المأساوية. فبدأت بصنع التصميمات، التي لم اكن أدرك تماما مدى جودتها الفنية. إلا أن اهتمام الأصدقاء والصديقات من الفنانين والمثقفين وتشجيعهم، كان سببا مهما في مواصلة العمل».

وتمزج تصاميم الشرقاوي، بين القديم والحديث، لتلائم أذواق الأجيال الجديدة، التي يستهدفها الشرقاوي، وهو يحاول أن يمسك بتلابيب الهوية الفلسطينية. وهي بالنسبة له موغلة في القدم، وتعود لعصور غابرة. ويشعر بالأسف لان هذه الهوية مهددة ليس فقط من الأعداء، ويقصد دولة إسرائيل، ولكن أيضا من الفصائل الفلسطينية، التي للشرقاوي عليها وعلى رموزها انتقادات جارحة جدا، كونه خبر قياداتها عن قرب.وحول المصادر التي يستوحي منها أفكاره يقول الشرقاوي بتواضع: «أنا بصراحة لم أدرس الفن، ولا اعتبر نفسي فنانا محترفا، ولكنني هاوٍ، واطلعت على أعمال فنانين من العصور الغابرة، ومعظمهم مجهولون، لانهم لم يتركوا تواقيعهم على تصميماتهم، التي تحولت إلى ارث. وكان هؤلاء يصممون الحلي من قطع شبيهه بقطع النقود، ويضيفون إليها الفضة والذهب، حيث ان معظم القطع النقدية القديمة من الفضة وكذلك بعضها من الذهب، ويضيفون إليها خرز الياقوت أو المرجان أو اللؤلؤ أو الصدف».

وخطا الشرقاوي، متتبعا من سبقوه، وفي بعض الحلي التي يصممها يستخدم القطع النقدية فقط، وفي بعضها الآخر، يضيف الياقوت والمرجان واللؤلؤ.ومن أشكال الحلي التي برز فيها الشرقاوي، الأساور التي تعتمد على براعته في تشكيل القطع النقدية دون إضافة أي شيء إليها، وكذلك العقود المكونة من قطع نقدية، وبعضها يعود إلى العصر العثماني.

ولا يستخدم الشرقاوي إلا القطع النقدية الأصلية، وهذا يجعله دائم البحث عنها، في الأرياف والمناطق البدوية، ولدى النساء كبيرات السن، وبعضهن ما زلن يضعن على رؤوسهن كميات كبيرة من القطع النقدية، التي كانت تشكل جزءا من المهور.

ويستطيع الشرقاوي أن يميز الأصيل من المزور، وهذا يحتاج خبرة ودراية، خصوصا مع إغراق الأسواق بقطع مزورة، مصدرها أوساط يهودية في إسرائيل وكذلك فلسطينية وعربية، يعمل بعضها من خارج البلاد. ويقول الشرقاوي: «افضل أن أوقف عملي، على أن أفكر باستعمال أية مواد مزورة، لان الصدق قيمه انسانية عالية، وكذلك الفن». ويتجنب الشرقاوي الرسائل المباشرة في أعماله، ويقول «اخلط بين الرمزية والواقعية، وهو أمر غير سهل، بوجود قطع نقدية محسوسة ومعروفة تضفي وقعا لدى المتلقي الفلسطيني والعربي عندما يرى اسم فلسطين عليها، أو حروف عربية لدى المتلقي الأجنبي، تشعره بأجواء الشرق. وعموما، ما أسعى إليه هو التوفيق بين الرمزية والواقعية، مما يضيف رونقا مميزا على القطع الفنية، ولا ينتقص من الهدف الأول منها، وهو هدف وطني وثقافي».

والشرقاوي حسبما يشرح لنا: «دائم الاطلاع على الفنون التقليدية للحضارات الأخرى، وتأثرت بالثقافات اليونانية والرومانية والإسلامية والعربية، وثقافات البربر في المغرب العربي والجزائر وكذلك الروس والأتراك».

ويعرف الشرقاوي الكثير من أسرار هذه الفنون، لدى الشعوب الأخرى، والمواد التي تصنع منها الحلي، وطرق صنعها خصوصا لدى شعوب الشرق القديم، مما أضاف إليه فنيا.

ويؤكد بأنه لا يحب أن يقلد أحدا، ويسعى أن تكون أعماله «في غاية البساطة والجمال، بعيدة عن التعقيدات».

ولدى الشرقاوي فخر بما يفعل ويقول «الشعب الفلسطيني صاحب إرث حضاري مهم جدا. والتراث الفلسطيني استوحى من الحضارات التي مرّت على هذه الأرض. وكل ذلك أضاف غنى ذا طابع انساني عميق، ولكن للأسف، آخر ما ينتبه لذلك الفلسطينيون أنفسهم».

وردا على سؤال إذا كان لديه مشاريع أخرى تشمل قطعا نقدية عربية وإسلامية يقول الشرقاوي «أفكر بان ادخل في أعمالي قطعا إسلامية وغير اسلامية وكذلك عربية، واسعى لادخال أنواع من الزجاج القديم حيث يضفي رونقا أخاذا. واستعملت فعلا الزجاج الروماني واليوناني والفينيقي وكذلك الإسلامي والعربي. واعمل الان على تركيب أحجار لها قيمة، على قطع نقدية من الفضة».

http://www.asharqalawsat.com/details.asp?section=19&issue=10606&article=449364

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق