أهلين

"من عرف الله سار، ومن سار طار، ومن طار حار". عجيل المقدسي.

الخميس، 27 ديسمبر 2007

العروبية المسيحية كتعبير عن الهوية

يولي الباحث إبراهيم نيروز أهمية كبيرة، لتأصيل تاريخ المسيحيين العرب، ويبث في طلابه الروح العروبية المسيحية، كأحد أشكال التعبير عن الهوية المهددة، خصوصا في فلسطين، حيث شكلت الغزوة الصهيونية، وفيما بعد إنشاء إسرائيل واحتلالها كامل فلسطين، تهديدا للوجود العربي فيها. وعرف نيروز كباحث في الآثار واصدر عدة كتب، واصبح محاضرا جامعيا، وقبل فترة وجيزة رسم كاهنا، في الكنيسة الأسقفية العربية. ويحمل نيروز نظريات تعلي من شأن العرب في تاريخ المسيحية، وفي محاضرة أخيرة له حول بدايات المسيحية العربية، تحدث عن تلك البدايات والتي من شانها أن تثير جدلا لدى الباحثين التقليديين في هذا المجال.وقال نيروز، بان أول ذكر للعرب في فلسطين كان لدى المؤرخ اليوناني هيرودوت الملقب بابي التاريخ، وتعود نصوص كتبه إلى القرن السادس قبل الميلاد.وأضاف نيروز "ذكر هيرودوت العربان، والتي تعني سكان الصحراء الذين يرعون الأغنام، ومن الملفت انه لم يذكر شيئا عن اليهود في فلسطين، وهذا أمر آخر، وسؤال آخر برسم الباحثين".

وحسب نيروز، فان النصوص القديمة، ومن بينها الكتاب المقدس، لم تذكر العرب كقومية، ولكنها كانت تذكر أسماء القبائل العربية بشكل منفرد، وبرأيه فان مصطلح العرب اخذ مدلولاته القومية لدى ظهور الإسلام، وبروز الحاجة للتمييز بين المسلم العربي، والمسلم غير العربي. ولدى نيروز الكثير ليقوله عن ورود الكثير من اللمحات عن العرب في الكتاب المقدس، مثل ما يتعلق بزيارة ملكة سبأ إلى القدس، وكما هو معروف فان هذه الملكة يمنية، وبالنسبة لنيروز، فان اليمن احدى معاقل العرب القديمة جدا، وكذلك يشير الى ورود أسماء لقبائل عربية كثيرة في العهد القديم مثل: شعب قطبان، والنبط، وشونم والإشارة هنا إلى ذكر المرأة الشونمية في الكتاب المقدس، التي ساعدت اليشع.

ويقول نيروز "لم تكن هناك حاجة لذكر كلمة العرب آنذاك، لوصف هذه القبائل العربية، التي ذكرت بأسمائها".ويشير نيروز، واستنادا إلى الكتاب المقدس أيضا، إلى زواج النبي موسى من المرأة المديانية، والتي تنسب برأيه إلى قبيلة عربية، ويقول بان المديانيين هم من سكنوا المناطق التي تقع فيها مدينة تبوك السعودية حاليا. وعلق نيروز "هذا يعني بان النبي موسى كان نسيبا للعرب"، وبحسب علماء الكتاب المقدس فان قصة النبي موسى حدثت في القرن الرابع عشر قبل الميلاد.

واورد نيروز أسماء قبائل وشعوب أخرى عربية ورد ذكرها في الكتاب المقدس والنصوص القديمة مثل الكنعانيين، واليبوسيين، وهذا بالنسبة له يؤكد قدم الوجود العربي في هذه المنطقة من العالم. وردا على سؤال حول اللغات التي كانت هذه القبائل والشعوب تتحدث بها، ومدى علاقتها باللغة العربية قال نيروز "كان هناك عدة لغات ولهجات عربية تحدث العلماء عن سبعة منها، ولكن لم يبق منها إلا اللغة التي نتحدث بها الان، وهي اللغة العربية القرشية".
وأشار إلى ما تركته لنا الشواهد الأثرية من نصوص عربية للغات أخرى غير اللغة العربية السائدة حاليا مثل النبطية، حيث توجد نصوصا منها في البتراء وأماكن نبطية أخرى.

ويذهب نيروز بعيدا في الغوص في التاريخ، مستندا إلى الكتاب المقدس، لتدعيم وجهة نظره، ويشير إلى سفر أيوب في العهد القديم، قائلا بأنه يتضمن إشارة إلى ارض عوص، التي ينتمي إليها النبي أيوب، وهذه المنطقة وفقا للباحثين في علوم الكتاب المقدس هي منطقة عربية.

ووفقا للباحث كارل راسموس فانه يذكر في كتابه (أطلس الكتاب المقدس)- الترجمة العربية الصادرة عن دار الثقافة في القاهرة عام 2001، بان موقع عوص الأرض التي عاش فيها أيوب، غير معروف على وجه التحديد ولكنه يرجح أن تكون في "شرق ادوم على حافة صحراء العرب، وربما في منطقة وادي سرحان التي تبعد حوالي 50 ميلا جنوب شرق عمان".

ويذكر راسموس أسماء قبائل عربية وردت في العهد القديم، لم يتطرق لها نيروز مثل قيدار، والتي ذكرت 10 مرات في العهد القديم.أما نيروز فيؤكد بان "الإشارات كثيرة في سفر أيوب التي تدل على أن روحه عربية، وهناك كثير من الملامح الثقافية العربية فيه، وكذلك التقاليد والعادات مثل العزومة الجماعية وهي تعبير عن فكرة الأرحام العربية".

ويقول نيروز "الأبحاث متواصلة بخصوص عروبة سفر أيوب، فإذا تأكد ذلك فانه سيكون اقدم نص عربي، لانه يعود إلى القرن العاشر قبل الميلاد".
وردا على سؤال لمراسلنا، حول الأبحاث المتعلقة بسفر أيوب ومن يقوم بها، قال نيروز "جميع علماء اللاهوت الكتابي، وهو العلم الذي يدرس الكتاب المقدس، توقفوا عند مسألة عروبة سفر أيوب، وتجرى دراسات كثيرة الان حول ذلك، أما بالنسبة لي فإنني أؤكد أن روح هذا السفر هي عربية، وهو ما ستؤكده الأبحاث المتواصلة حول هذا الأمر".

وانتقل نيروز إلى الحديث عن الجذور المسيحية العربية في العهد الجديد، مشيرا إلى سفر أعمال الرسل، الذي يعدد 15 اثنية من بينها العربية، وهي برأي نيروز لم تكن تدل على قومية، ولكن على سكان الصحراء.

ويعطي نيروز لحادثة معروفة في التاريخ المسيحي، ليضفي عليها أبعادا تؤكد نظريته حول الجذور القديمة للمسيحيين العرب، والمقصود حادثة مقتل اسطفانيوس، أحد أفراد الجماعة المسيحية التي كانت تسكن القدس والتي وقعت في أواسط خمسينات القرن الأول الميلادي، أي في فترة مبكرة جدا من ظهور المسيحية، حيث يحدد علماء الإنجيل مولد المسيح عام 33م.

وبعد مقتل اسطفانيوس على يد مناهضي المسيحية، شعر مسيحيو القدس آنذاك بالخطر، فقرروا اللجوء إلى دمشق، حيث وجدوا حماية ورعاية في هذه المدينة. ويقول نيروز "مدينة دمشق مدينة عربية منذ القدم، وعندما تشعر جماعة بالخطر تفكر باللجوء إلى مكان آمن، واعتقد ان لجوء الجماعة المسيحية المقدسية إلى سكان دمشق العرب، يمكن أن يعطينا ملامح أكيدة حول وشائج القربى بينهم وبين الدمشقيين، ويرجح علاقة جماعة القدس المسيحية آنذاك بالعرب".

واكثر من ذلك يستخلص نيروز من عناصر أخرى في القصة لدعم فرضيته، عندما يشير إلى أيفاد يهود القدس، واحد منهم وهو شاؤول إلى دمشق ليؤدب الهاربين إليها، ولكن ووفقا للقصة الإنجيلية التقليدية، فان المسيح يظهر له في الطريق، ليشكل ذلك منعطفا في تاريخ المسيحية، حيث يتحول شاؤول، إلى القديس بولس الذي يصبح الصخرة التي بنيت عليها المسيحية كما نعرفها الان، بل أن كثيرا من الباحثين يعتبرونه المؤسس الحقيقي للمسيحية.

ويصل بولس إلى دمشق، حيث توجد جالية يهودية تحاول الانتقام منه لردته، فيهربه الدمشقيون إلى المنطقة العربية، والتي يمكن أن تكون الجزيرة العربية، حيث عاش هناك ثلاث سنوات. ويقول نيروز "عندما يهرب الدمشقيون المسيحيون بولس إلى العرب، فهذا يعني وجود وشائج وتواصل بين الجهتين، بل من انهم أقارب الدمشقيين".

ويبقى بولس عند العرب ثلاث سنوات يدرس ويثقف ويتعلم، ويتساءل نيروز "هل كان العرب في البادية الذين لجا إليهم بولس مسيحيون؟ هذا محتمل جدا، هل اصبحوا مسيحيين، نتيجة لتبشير بولس بينهم؟ هو احتمال أخر أيضا، وفي كل الأحوال هذا يشير إلى انتشار مبكر للمسيحية بينهم".
ويتساءل نيروز أيضا "هل كان بولس يتكلم العربية؟ هذا محتمل جدا على الأقل لقضائه ثلاث سنوات بين العرب، ولكن لماذا لم يكتب أية رسالة من رسائله للعرب، هذا سؤال آخر".

ويجيب ساخرا "توجد نكتة تقول بان بولس لم يكتب للعرب، لانهم لا يقرؤون، ولكنها نكتة وضعت بأثر رجعي" في إشارة إلى وضع العرب حاليا وضعف القراءة بينهم. وردا على سؤال لمراسلنا حول إلى أي مدى يمكن التعامل مع الكتب الدينية، باعتبارها كتبا تاريخية، قال نيروز "الكتب المقدسة هي كتبا روحانية بالأساس، ولكن فيها بعض الشواهد التاريخية التي يمكن الاستدلال بها"، وهو ما يفعله للتدليل على ما توصل إليه بشان بدايات المسيحية العربية.

ويعتمد نيروز على مصادر تاريخية غير العهد الجديد، ويشير إلى كتابات الأسقف نيسابيوس، أسقف مدينة قيسارية، وهو الذي يطلق عليه وصف (أبو التاريخ الكنسي)، وعاش في القرن الرابع الميلادي. وربطت هذا الأسقف، علاقة وثيقة بالإمبراطور البيزنطي قسطنطين، الذي تبنى المسيحية كديانة رسمية للإمبراطورية، وكان الأسقف ممثلا عنه في تدشين كنيسة القيامة بالقدس عام 329م، حيث ألقى كلمة الإمبراطور، الذي غير تبنيه للمسيحية وجه التاريخ.

وحسب نيروز، فان الأسقف نيسابيوس، يذكر زيارته لادوسا، وهي الرها حاليا، ويؤكد الأسقف انه رأى رسالة من ملكها ابجر للمسيح، وان الأخير رد عليه. ومن المعروف بان سلالة الاباجرة العرب حكموا الرها التي تقع الان في الحدود السورية، واعتنقوا المسيحية، ويوجد في المتحف البريطاني تاج للملك ابجر الثاني، يحمل نقشا للصليب ويعود إلى عام 185م.

ويقول نيروز "توجد مصادر تاريخية تتحدث عن طوفان حدث عام 201م ودمر كنيسة في الرها، لقد احتضن الشرق التاريخ المسيحي العربي العريق، وملاه حضارة ومكانة". ووفقا لمعلومات معاصرة عن الرها، فانه يوجد فيها بقايا نحو 200 كنيسة، مما يشير إلى تاريخ المسيحيين العرب العريق والمبكر فيها. وبالنسبة لبعض الباحثين فان الاباجرة ظهروا على المسرح السياسي، قبل الدولتين المسيحيتين العربيتين الأبرز، وهما دولة الغساسنة، والمناذرة التي حكمها اللخميون العرب.

وارتبط اللخميون بمعركة ذي قار الشهيرة، التي شنوها، بالتعاون مع القبائل العربية ضد الفرس، وهزموها، اثر اختطاف كسرى إمبراطور الفرس للنعمان ابن المنذر، والتنكيل به، بطريقة بشعة تحدثت عنها المراجع التاريخية، عندما تم تمديد النعمان على الأرض وجعل الفيلة تسير على جسده، مما أثار المناذرة وبرز دور ابنته هند، والشاعر النابغة، اللذين جمعا القبائل لخوض المعركة ضد الفرس، وبعد الانتصار العربي البدوي على إمبراطورية الكياسرة الفرس، أوفت هند بنذر قطعته على نفسها واختارت حياة الرهبنة، وبنت أديرة أصبحت شهيرة في العراق.

وحسب الباحث نيروز، فان جوانب من التاريخ المسيحي العربي لم يكشف عنه بما فيه الكفاية، مثل ما يتعلق بدولة تدمر، ودولة الأنباط في البتراء، وقرطاجة. ويقول "في عام 272م أرسلت روما قائدا عسكريا قويا اسمه اوروليان لمعاقبة هذه الدول، فدمر قرطاجة، ووصل إلى البتراء وتمكن بعد عناء شديد، وبخطة قطع المياه عن أهلها من التغلب عليهم، ثم واصل إلى تدمر وتمكن من ملكها أذينة، فتسلمت زوجته زينب أو زنوبيا مكانه، واسرها وقادها إلى روما، ولكنها انتحرت قبل أن يدخلها إلى العاصمة الرومانية كإحدى غنائمه".

ويضيف "الان نتساءل لماذا أراد اورليان تدمير هذه الدويلات العربية؟ الرومان يقولون بأنها عصت أوامر روما، ولكننا يمكننا أن نجد أجوبة أخرى، من خلال آثار الكاتدرائيات والكنائس الكثيرة جدا التي ما زالت بقاياها موجودة في قرطاجة، والبتراء، وتدمر، وهذا يعني أنها كانت حاضنة للمسيحيين الذين اضطهدهم الرومان، وكل مسيحي كان يشعر بالاضطهاد يهرب إلى شرقنا، وتم ذلك خلال القرون الميلادية الثلاثة الأولى، لقد كان الاضطهاد هناك في الغرب، وليس هنا في الشرق".

ويظهر نيروز انحيازا لمواقف المسيحيين العرب أبان الغزوات الغربية التي عرفت باسم الحروب الصليبية، قائلا بأنه من ضمن الفيالق الأربعة في جيش صلاح الدين الأيوبي، مثلا كان هناك فيلقا بقيادة عيسى العوام، يضم مسيحيين عربا، معظمهم من السريان، وله مساهمة بارزة في مقارعة الفرنجة. ويؤكد نيروز "موقف المسيحيين العرب من حروب الفرنجة كان واضحا، ولتأكيد المسلمين والمسيحيين سكان فلسطين على عروبتهم خلال هذه الحروب، فانهم عززوا من استخدام اللغة العربية بينهم، في مواجهة الاستعمار الإفرنجي وسياساته، رغم أن اللغة التي كانت سائدة بينهم آنذاك هي الآرامية، ولكن فيما يشكل تحديا للاستعمار الغربي، توسعوا في استخدام اللغة العربية حتى أصبحت اللغة الرئيسية حتى الان".

http://www.elaph.com/ElaphWeb/Reports/2007/12/291189.htm

هناك تعليق واحد:

  1. الاب ابراهيم29 ديسمبر 2007 في 2:07 م

    اشكرك اخي الكاتب اسامة العيسة, هذه لفتة جميلة منك, واتمنى دوام التواصل معاً, من ناحية اخرى, فاننا ممن يؤمنون بالعروبة حتى النخاع واعتقد اننا كفلسطينيين سنكون اول الخاسرين ان فصلنا انفسنا عن العروبة التي هي بمثابة المحتوى الحضاري والفكري والثقافي الذي يجمعنا وعا رغم التنوع في الدين والرأي والتوجهات السياسية وغيرها, وقد اثبتت التجربة والتاريخ يساعدنا لبرهنة ما اقول من اننا عندما التزمنا بالبعد العربي وكانت العروبة هي القاسم المشترك لنا جميعا وكنا على تواصل مع البعد والعمق العربي لنا ونعتز بتواصلنا مع الاشقاء العرب , كنا وقتها في افضل لحظات تاريخنا, كما كنا في افضل وضع من القوة ونحن نخوض صراعاً مريراً مع الاحتلال, لذا ادعوا دائما الى التواصل الدئم مع العرب والعروبة, اضف الى ذلك اهمية الجناح المسيحي من العروبة الذي يعطي هذا الغنى من التنوع الثقافي والديني والروحي, خاصة في سعينا الى الاسقلال ونيل الحقوق المشروعة لنا في فلسطين, وهذا يعيق الطريق امام الاحتلال في سعيه لعزل القضية الفلسطينية عن بعدها العربي من ناحية وفي تهميش الدور المسيحي العربي والفلسطيني في هذا السعي نحو الحرية.

    ردحذف