بعد سنوات
الخيام الطويلة القاهرة، والمتعبة، والسَّمِجَة، قطن اللَّاجِئُون، في غُرفٍ، ما
ميَّزها أكثر، بالنسبة لهم، عدم تسريبها للمياه، وذلك بفضل مصمم ذكيٍّ مجهولٍ، فعل
ما لم يجرؤ المهندسون في فِلَسْطِين على فعله؛ أمال السطح النحيل، كي لا تثبت
المياه عليه، بعكس الأسطح المستوية، الَّتي تقلق سكَّانها، من الأثرياء، أو
الموظَّفين، أو المزارعين، وهي تنزّ في أيَّام المطر. يمكن للفلسطينيِّ، مسايرة أي
تطوِّر، في العمارة، ويغيِّر وظائف غرف المنزل، ويقبل بتخطيطها المستورد، إلَّا أن
يُميِّل السطح، وكأنَّه، إذا فعل، يُميِّل حاله، وتقاليده، وأعرافه، الَّتي قد
تكون منفردة، أو مجتمعة مائلة أصلًا، بل هي كذلك، فعلاقته بالحكومات المائلة
الَّتي توالت على حكمه، واستعباده، وسبي نسائه، تشهد على حاله المائل، الَّذي بدا
أنَّه قدر لا يتزعزع.
لم يكن هذا
المصمم المجهول للغرف ذات الكسحة، والطاقة، والخز على السطح، سوى مهندس الفقراء
واللاجئين: حسن فتحي.
سميت هذه
الغرف، وهي متنوعة المساحة، غرف الوكالة، وسميتها سابقًا عمارة الزمن المائل،
والآن فإنَّني اسميها، بكثير الحب والامتنان: غرف حسن فتحي.
تعرف عبقرية
مبدع ما (استخدم كلمة عبقرية التي لا أحبها، استثنائيًا هنا) ليس من الأعمال
الكبيرة. مثلا فإن عبقرية رياض السنباطي تتجلى في اللحن المعجز لاعجاز سيد درويش:
القلب بعشق كل جميل، وعبقرية حسن فتحي، تظهرها الغرف البسيطة التي ما زال بعضها
صامدًا حتى الآن في مخيمات اللاجئيين الفلسطينيين.
سألت العم إبراهيم الخطيب (أبو وسيم) الَّذي عاصر
بناء غرف حسن فتحي في مخيم الدهيشة، أجابني يوم 15 نيسان 2025: "لم تبن
البيوت في سنة واحدة بل استمرت لسنوات. ابتدأت من سنة 1954م. وحتى 1956م وكان المتعهد
خليلي هو أبو الفيلات. ومن أهم من تولى التنفيذ ذيب محمود حسن العيسة. ومساعده
خالك أحمد رحمهما الله جميعُا. وقد كانت على أحجام كأنَّها علب السردين الَمعلب أقل من ثلاثة أفراد؛ غرفة
صغيرة لا تتجاوز مساحتها 9 أمتار مربعة وحتى خمسة أفراد؛ 12 مترًا. وإن زاد فتعطى الأسرة غرفتين متلاصقتين كما سبق للحجمين
السابقين. كما يمكن أن تجمع عائلتين في الحجمين الملتصقين، أمَّا الطوب
المستخدم فكان من نوع 10 سم
عرضًا. ولم يستخدم العشرين أو ألـ 15 سم عرضا أبدًا، كما بنيت المدارس في نفس الفترة. وتولى البناء ذيب المذكور أعلاه دون غيره، فلا أحد كان يجيد
هذه النوعية من البناء إلَّا هو، ولعبت
جغرافيا القرى دورًا في توزيع البيوت حيث
روعي ما أمكن أن تكون كل قرية تتجاور في توزيع بيوتها معًا، إلَّا ما ندر؛ حارة
الزكاروة، العطابية، العجاجرة.، رأس ابو عمَّار، جراش، البريج، الخلادوة
إلخ".
تعلم العم ذيب البناء في دير بيت الجمال قبل
النكبة، وصاحبه خالي أحمد الشيخ، الّذي أظهر معه في صورة تعود لمنتصف ثمانينيَّات
القرن الماضي، أمام واحدة من غرف حسن فتحي عشت فيها 20 عامًا.
لدي ثلاثة غرف من غرف حسن فتحي، آمل أن يتوفر الوقت
لترميمها. ربما تحويلها لمركز ثقافي باسم المهندس العظيم.
غرف حسن فتحي، شاهدة على طلب علم، وسهر الليالي،
والاجتماعات النضالية، وحكايات البلاد، ومآسي وعنفوان شعب لا يهزم.
#حسن_فتحي
#إبراهيم_الخطيب
#مخيم_الدهيشة
#أسامة_العيسة