في
بعض إغفاءات الفجر، سمع جار الله الزمخشري (1075-1143م) صوتًا: "يا أبا
القاسم: أجل مكتوب وأمل مكذوب" فهبَّ من نومه، وبدأ بكتابة مقامة، ولم تكن
سوى قطرة غيث، ستصل مقاماته إلى 50 مقامة. تقترب من حسٍّ صوفيِّ لعقلٍ معتزلي لم
تتسع له دنيانا حتَّى يومنا هذا.
ماذا
كنت أفعل في يوم السبت 24/2/1987 في الإحساء، وطن القرامطة والحزن الشيعيِّ المعتَّق،
وذكريات مسن أصبح صديقًا عن مشاركته في تظاهرة في أرامكو خلال عزّ الفورة
الناصرية، ورطب النخيل، والمياه التي تتفجَّر من كل مكان تقريبًا، ساخنة لاهبة؟
لا
أذكر أبدًا، لكن المؤكد أنَّه في ذلك اليوم، دخلت مكتبة، واقتنيت نسخة من كتاب
المقامات للزمخشري، بتحقيق يوسف البقاعي. وكتبت اليوم والتاريخ والموقع، وهي عادة
لازمتني قديمًا، ولا أعرف لماذا تخليت عنها. من حظَّ الكتاب أو من حظي أنَّه نجا،
بخلاف عشرات الكتب. رجعت إليه، هذه المرَّة، إعجابا بقلب جار الله وهواجسه
الوجودية واللغوية والفنية، ومحاولته وضع بصمة في فن المقامات، وإن كان اللغويون
لا يدرجونه في طبقات مؤلفيها العليا.
يعظ
صاحب الكشَّاف نفسه، وليس النَّاس، يبدو أنَّه يبتعد عن الأستذة، والمحاججة،
إنَّها استراحة معتزلي، جهد عقله كثيرًا. لكن ذلك يبدو نسبيًا. لقد قدَّم نصائح
لمن يتناول الكتاب بالتأني في قراءته والوقوف علي ألفاظه وتفهم معانيها. نصح بألا
يقدَّم الكتاب إلَّا لعالم أو متدين أو أديب. عودة أخيرة للنخببة.
لا
أعرف شيئًا عن المحقِّق البقاعي إلَّا أنَّه يشير إلى اعتماده على شرح محمد سعيد
الفاروقي الطرابلسي "وأضفت إليه الكثير ونقحته". أشعر بامتنان للذين
عاشوا في غير زمن الترند، وأفترض أنَّهم ترهبنوا في ميادين اللغة والأدب والجمال.
الكتاب
من إصدار دار الكتاب اللبناني، أعحبني التجليد العملي والطباعة والخط والإخراج
والتبويب. وصمود ذلك كله مع كرور الأعوام.
#مقامات_الزمخشري
#الإحساء
#أسامة_العيسة